عند الحديث عن خصوصية الانتماء والولاء الوطني لهذا الكيان الشامخ والعزيز لا نزايد في قولنا: إن أبناء الوطن أثبتوا في كل المواقف قولا وفعلاً بأن ولاءهم للوطن راسخ ومتأصل في نفوسهم، لا تهزه رياح الإرجاف، ولا تصيبه سهام المصالح الشخصية. لذلك عز الوطن بولاء أبنائه وأصبح عصياً على أعدائه النيل من وحدته. لكن الأمر اللافت في هذه الأحداث التي تتعلق بأزمة قطع العلاقات مع قطر، أن هناك بعضاً ممن ينتمون لهذا الوطن أرضاً ومكاناً بينما ولاءهم خارج حدوده، حيث يتعاظم الانحياز لمذهب أو فكر أو لجماعات خارجية تتوافق مع أهوائهم ومصالحهم التي تخالف بطبيعة الحال مصالح الوطن وخدمة قضاياه في وقت أحوج ما نكون فيه إلى كل فرد وطني غيور على بلاده، ومنصف لمواقفها، والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا يتعلق بماهية الأسباب التي أوجدت خللاً في مفهوم الولاء الحقيقي لدى هؤلاء ومن المسؤول عنه، والسؤال هنا وإن كان كبيرًا بدرجة "حساسيته "إلا أن السكوت عنهم وعدم تعرية مواقفهم يزيد من أمد تلك الفجوات التي آن الآوان لردمها. ولاء عاطفي بداية أكد أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة والأمن الفكري ورئيس الدراسات المدنية في كلية الملك خالد العسكرية أ.د نايف الوقاع: أن الولاء للمملكة لا بد أن يكون ولاءً عقدياً صادقاً، قبل أن يكون ولاء عاطفياً أو ولاء مصلحة وذلك لما اختصت به هذه البلاد المباركة من تطبيق لشريعة الإسلام وتحكيم الكتاب والسنة وحمايتها لبيت الله وخدمة ضيوف الرحمن من حجاج أو معتمرين أو زائرين. موضحاً: أن السبب الأول لوجود خلل في مواطنة البعض وصمتهم فيما استجد من أحداث تتعلق بأمن الوطن والدفاع عن قضاياه المهمة يعود إلى وقوعهم في الانتماءات الحزبية لجماعات خارجية، وذلك نتيجة لطريقتنا التعليمية التقليدية وطريقة التلقي والاعتماد على المصادر غير الموثوقة. وأضاف: للأسف الشديد بأنه غرس في أذهان الطلاب والكثير من أفراد المجتمع بأننا مجتمع محصن ولا يمكن اختراقنا ولكن بعد التتبع والدراسة لكثير من الأحداث وجدنا أنه لم يكن هناك حركه بالعالم أو نشاط ثقافي وفكري إلا وأثّر على المملكة سواء الحركة الشيوعية أو المد القومي أو المد الاشتراكي والناصري سواء حركة الإخوان المسلمين أو أي حركه التنوريين الليبرالية و العلمانية. مشيراً إلى: أن الوطن عندما يتعرض لأي أزمة نجد هؤلاء الحزبيين والمنتمين لجماعات الإسلام السياسي إما أن يختبئون أو يحاولوا طعنه، بينما نجدهم عند أي قضية تحدث بالعالم أو تمس بحزبهم أو منظمتهم يتفاعلوا بالمال واعتلاء المنابر أو حتى التعليقات والتغريدات. وأشار إلى أن لديهم تنظيمات متعددة وقوية، ولديهم القدرة على خلق معارك جانبية دائماً إذا وضعوا تحت الأضواء، ليخلقوا مشكلة جانبية ينشغل بها المجتمع بعيداً عن القضية الأساسية، وغالباً فإن القضايا التي يثيرونها هي ما تتعلق بحقوق المرأة أو مجالات عملها بينما لا صوت لهم في ظل و جود قضايا مصيرية كخلاف المملكة مع قطر، وهذا ما نعاني منه حقيقة في السنوات الأخيرة هو الولاء لغير الوطن إذ يجب أن يحاسب عليه كل من يتواجد في أرض المملكة وفي رقبته بيعه لحزب أو جماعات فكر سياسي، وتأثير هذه القضايا الفكرية لا يظهر في يوم أو يومين بل قد يمتد إلى أجيال، وبالتالي يجب أن نكون دقيقين في اختيار مصادر التلقي وفي اختيار مناهج التلقي، كما أننا نحن بحاجة إلى أن نؤصل الفكر النقدي لشباب ليحسنوا التعامل مع كل معلومة تصل إليهم ويعرفوا كيف يمكن أن تمحص هذه المعلومة وماهي مصادرها، ومدى صحتها وهل توافق بيئتنا وأخلاقنا. فضح المواقف من جانبه أكد الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية د. محمد الهدلاء: على تعري مواقف الكثير ممن يحمل هويتنا عندما تم مقاطعة قطر بسبب تهديد أمننا الوطني، وأنّ كثيراً من المعرفات المليونية خرست وبعضها توقف حتى بالدعاء لجنودنا البواسل على جبهات القتال لأن المقاطعة في نظرهم تمس مصالحهم مع جماعات وأحزاب ينتمون لها، وإن كانت مصنفة إرهابياً، وكما يقول الشاعر: "جزى الله الشدائد كل خير بها عرفت عدوي من صديقي". مضيفاً: المقاطعة كشفت عن هذه الوجوه السوداء والمتلونة لمن تنكروا لوطن احتواهم واحتضنهم، وعند مثل تلك الأزمات التي تعني أمن الوطن يقولوا: إننا فضلنا الصمت في تلك المرحلة في حين أن مصلحة الوطن تستدعي الدفاع عنه والجهر بكل الحقائق المنصفة. وزاد الهدلاء: عندما يكون المستهدف هو أمننا الوطني نرفض مبدأ الحياد والصمت، إذ لا بد من تحديد المواقف، فلا مكان للحياد ولا منطقة رمادية حينما يستهدف وطننا كما هو الحال مع أزمة مقاطعة قطر التي أظهرت أن إعلامنا عند مستوى الظن، وأثبت المغردون الوطنيون أنهم قوة جبارة تستطيع مواجهة أعتى الآلات الإعلامية، فقلبوا الطاولة في وجه قنوات الشر مثل الجزيرة وكل الإعلام في العالم المتعاطف معها والمروج لمشروعها الإرهابي في المنطقة فتغريدات (كشف الحساب) للمستشار بالديوان الملكي الأستاذ سعود القحطاني. أقلقت الحكومة القطرية وعرّت كثيراً من مواقفهم، وقد أثبت شعبنا السعودي أنه شعب عظيم، وهو صخرة ستتحطم عليها مكايدات ومؤامرات المتآمرين ودعوات المأزومين وهذا ليس بغريب على الشعب السعودي العظيم. ثورة إعلامية وفي إجابة على تساؤلنا عن الأسباب التي أدت إلى خلل في مفهوم الوطنية وما تقتضيها من واجبات، أوضح الخبير الأمني اللواء الركن المتقاعد مستور الاحمري: أن مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت في السنوات الماضية لتشكل ثورة في الإعلام، وقد اجتذبت نسبة عالية جداً من فئة الشباب وذلك على مستوى العالم وليس فقط على مستوى المملكة العربية السعودية، وأن ذلك ناتج عن انعدام القيود على هذه الوسائل وعلى ما يتم تداوله، وتميزها بسرعة انتشار المعلومة خلال دقائق سواء اتفقنا أو اعترضنا على ما يطرح خلال هذه البرامج، وبالفعل هو عالم تتدفق من خلاله المعلومات ولا أحد يستطيع إيقاف تدفق الأخبار والآراء والأطروحات سواء المذهبية أو الطائفية أو الفكرية. ولفت إلى تراجع قوة وسائل الإعلام الحكومية في جميع البلدان أمام وسائل التواصل، وقال: الإعلام الرسمي دائماً يتبنى وجهة نظر الحكومة بينما تشكل هذه الوسائل وجهات النظر الشعبوية، بدون رتوش وهذه المعلومات منها ما هو مفيد وما هو غير نافع، ولكنه الواقع الذي يحتم علينا البحث عن إستراتيجية لكسب ثقة الشباب في الإعلام الرسمي ومنحه مساحة من الحرية التي من خلالها نقرأ مشاكلهم ونرى الحلول وذلك لاستعادة جزء كبير من الثقة التي حصلت عليها مواقع التواصل، أمام حرية تداول المعلومات على وسائل التواصل ظهرت سلبيات على السطح تمثلت في استخدامها من قبل شباب اقتنعوا بآراء اكتسبوها ويروجون لها ومنها ما هو مضر بالمصلحة الوطنية بجميع جوانبها، ومن أبرز الظواهر الانجذاب للأفكار الطائفية والمذهبية وبعض الاتجاهات. وأضاف: إن انتماء الشباب إلى الطائفة والمذهب والفكر يحتاج إلى إعلام وجهود تقنعهم بأن لا بديل عن الوطن، وأن بناءه بسواعدهم أفضل من العمل على الإضرار به، وذلك عبر فتح أو إيجاد مجالس على غرار جلسات الحوار الوطني التي تستقطب الشباب ولا تركز على الشخصيات الهامة لتمثيلهم، وتعطى لهم مساحة عالية من الحرية للتعبير عن ما يودون طرحه ومعالجة التقصير وعدم الاكتفاء بالاستماع، ثم تنتهي الجلسات بدون نتيجة وذلك يحتم وجود مخرجات للحوار، كما أن البحث عن السلبيات وإيجاد الحلول يحتاج إلى إعلام ينطلق إلى عالم المواطن، وإلا يبقى حبيس وجهات النظر الحكومية، فقط بل يجب أن ينقل الوجه الآخر لتتوازن المعادلة، وبذلك سيتم اجتذاب نسبة عالية منهم بدل ترك الغالبية تسمع ثم تقتنع ثم تنحرف إلى الجهة المقابلة، وبذلك نخسر كثيراً من الشباب بدلاً من اجتذابهم والنظر لمشاكلهم فالعالم يتغير سريعاً. د. عبدالعزيز الهليل مواطنون تحولوا إلى أدواتِ هدمٍ للوطن بين المستشار في القضايا الوطنية والأمن الفكري أ.د. عبدالعزيز بن عبدالله الهليل: أن وجود خلل في المواطنة يعد دليلاً على وجود خلل في التربية أو التعليم أو التوجيه؛ وهذا الخلل تتقاسم مسؤوليته: مؤسسة الأسرة، ومؤسسات التعليم، ومؤسسة الإعلام، ومؤسسات التوجيه المجتمعية، وقال: تفاجأنا بتوظيف مواطنين ليكونوا أدوات هدم وضرر لوطنهم، كما تفاجأنا قبل سنوات عندما اكتشفنا انخراط عدد من أبناء الوطن في النيل من أمنه واستقراره، وبالتأكيد يوجد خلل ما في المواطنة الصالحة لدى هؤلاء الخائنين لوطنهم وقيادتهم وأمن وطنهم ومقدساته. وأشار إلى: أن أعداء الوطن عملوا على توظيف عدد من أبناء الوطن العاقين لوطنهم وأمنه واستقراره، حينما وضعوا يدهم في يد الأعداء ليشوهوا صورة هذا الوطن وقيادته ويبثوا الإشاعات والأراجيف، مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة بشكل واسع لكل من هب ودب. وأضاف: أعتبر أن قلة الحديث عن الوطن ومقدراته وضرورة الحفاظ عليه ومحبته سواء في محيط الأسرة أو المدرسة والجامعة وانتهاء بدور المسجد والإعلام أسهمت بشكل كبير في سهولة اختراق الأعداء لبعض أبناء الوطن ليكونوا أدوات مطيعة لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وهذه المذاهب والتنظيمات الإرهابية المخالفة لمنهج الإسلام والقرآن والسنة ليس للوطن عندهم قيمة ويربون أتباعهم على الولاء التام للجماعة فقط حتى ولو ذهبت الأوطان ضحية للخلافات والنزاعات، كما إن جماعة تنظيم الإخوان المسلمين تربي أتباعها على الولاء للجماعة فقط، واتباع أوامرها وتنفيذ مخططاتها التدميرية للمجتمعات والدول وصولاً إلى غايتهم في الوصول إلى دفة الحكم في كل بلد يحلون فيه. واختتم: إن علاج هذه المشكلة يجب أن يبدأ من الأسرة فتربي أولادها على محبة الوطن والذود عنه والمحافظة على مقدراته ومكتسباته ومقدساته، وأن يكونوا عيناً ساهرة على أمنه واستقراره، إضافة إلى تبني مؤسسات المجتمع التعليمية والدينية والإعلامية حب الوطن والولاء له ولقيادته في نفوس أبناء الوطن في كل مرحلة ومن خلال كل وسيلة. اللواء الركن م. مستور الأحمري د. محمد الهدلاء