بينما كنت في صالة الانتظار لإنهاء بعض المعاملات الحكومية، وكان المكان مكتظاً بالمراجعين، أتى إلي رجل يسأل متذمراً أين "المسعول"؟ فقلت له تقصد المسؤول، قال لا أقصد "المسعول"، المهم لفتت انتباهي هذه الكلمة فحاولت تحليلها لغوياً ونفسياً. "المسعول": هي كلمة مركبة من "مسؤول" و"سعال"، وفي معجم اللغة العربية يعرف "المسؤول" بأنه من رجال الدولة، وهو من تقع عليه تبعة عمل أو أمر، أو المنوط به عمل تقع عليه تبعته. أما "السعال" فيعرف بأنه صوت اندفاع الهواء من الرئة فجأة وبقوة، أو طرد الهواء فجأة وبقوة من المزمار. وعندما نسقط هذه الكلمة على المشهد السلوكي الإداري من حيث الوصف والصفة، فهي كلمة مجازية تعني الكثير من الأوصاف السلوكية الإدارية من منظور ثقافي لغوي مثل كلمة المدير "الدجاجة الصقعاء"، وهذا المصطلح الثقافي عادة ما يوصف به الشخص السلبي الخانع الذي يسير في الظلام والخائف من المواجة، والذي عادة ما يتردد ويضع ألف حساب لأشياء لا تحتاج حساباً، وقد ذُكرت في التراث بأن "الدجاج الصقعاء" هي التي لا تبيض ولا يمكن الاستفادة من لحمها وتترك لكي تعيش رأفة بها. خبراء الموارد البشرية صنفوا أنواع المديرين كالآتي: الأول.. ما يطلق عليه المدير الذي يصنع الفعل والحدث، وهذا النوع من المديرين يتميز بالشخصية القيادية القادرة على التغيير والتطوير والأخذ بزمام المبادرة وإنتاج وتفعيل المبادرات السامية لتحسين الأداء ورفع الكفاءة والإنتاجية وتحسين إجراءات العمل والتفكير خارج الصندوق..الخ. الثاني.. المدير الذي يشاهد أي تغيير ويمر عليه مرور الكرام يتفرج عليه، وهذا المدير لا يهش ولا ينش.. شخص مسالم لا يريد أن يدخل نفسه في أي صراعات أو مقاومات من أجل التغيير والتطوير، ولا يريد أن ينقل معرفته إن كان لديه معرفة ليكون ناقلاً للمعرفة، ولا يريد أن يكسب الآخرين المزيد من المعرفة، وتظل المؤسسة التي يرأسها مؤسسة فاقدة للهوية والشخصية مؤسسة كرتونية، والوقت الذي يمضيه الموظف في تلك المؤسسة نوع من الخبرة السلبية. الثالث.. المدير الذي تكون ردة فعله لأي تغيير أو تطوير هو طرح المزيد من التعجبات والاستغرابات، وهو بذلك يهيئ لبيئة غير صحية مليئة بالشائعات التي تبعث الشعور بالإحباط، وعادة مثل هذا النوع من المديرين ينقصه كثير من الشعور بالولاء للمؤسسة التي يعمل بها، وعندما يقوم يطرح الاستفهامات والتعجبات المفتوحة فهذا نوع من الهروب إلى الأمام وعمليات لا شعورية إسقاطية تنبئ بعدم الفعالية ونقص المهارات القيادية والإدارية ونوع من الآليات الدفاعية اللا شعورية تأتي على شكل استغرابات وانتقادات، وهو بذلك يرى أنه يحرر نفسه من أي مسؤولية أو محاسبة. اليوم هناك تفسير سلوكي آخر يمكن الأخذ به في أوصاف المديرين على النحو التالي: فالمدير التوكيدي هو المدير الواثق من قدراته ومهاراته يتعامل مع الآخرين بصراحة وصدق دون مواربة، وبدون المساس بكرامة الآخرين، وهو كثير المواجهة الأدبية والتعبير عن قراراته بشكل مباشر وبدون لف ودوران.. شخصية مبادرة ويبحث عن التميز والتطوير والتغيير والإبداع..الخ. الشخصية الأخرى هي المدير غير التوكيدي أو السلبي، وتتميز هذه الشخصية باللف والدوران وعدم المواجهة والصراحة وقلة وكثر اللجوء إلى التبريرات البعيدة عن الموضوع من باب سد الذرائع، كما أنه يميل وبشدة إلى الاستفادة من الوقت في تعطيل القرارات والخوف والقلق الدائم من المسؤوليات، واستخدام سلوك المشي بجانب الحائط وتجنب الظهور الاجتماعي الإعلامي. أما الشخصية الثالثة.. فهي المدير الصدامي العدواني؛ وهذه الشخصية تتميز بالحماقة والاندفاع، وكثرة إثاره الصراعات وعدم احترام الآخرين والتعدي على حقوقهم، وهذه الشخصية دائمة العصبية تحاول إسقاط نقاط الضعف في قدراتها على الإدارة والضعف في الثقافة العامة، ويتميز بالسلوك العدواني وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين والإيمان بها. وهناك شخصية خطرة تجمع ما بين السلوك العدواني والسلوك السلبي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه المدير السلبي العدواني، وهذه الشخصية تجمع ما بين السلبية والعدوانية غير المباشرة، ويمكن أن نسميها المدير "الحية" الذي يظهر سلوكاً لطيفاً ويخفي سلوكاً عدونياً يجعله يضرب الناس ببعضها، ويستخدم أدوات غير مباشرة والتقارير السرية المغلوطة للإطاحة بالآخرين.. الخ. أعتقد أن الأمر أصبح أكثر وضوحاً لوصف شخصية المدير "المسعول"! فهو يجمع ما بين الشخصية المندفعة بغير علم والشخصية السلبية العدوانية.