نتمنى المطر والعواصف والمكرمات حتى لا نذهب للمدرسة منذ أن كنا طلبه ونعيش ثلث حياتنا كارهين للوقت المخصص للدوام من حياتنا ... وتتحول فترة الصباح بكل إشراقة وتفاؤل إلى موجات من التكهرب والعصبية والنفور. اسقاطات بعض الموظفين على العمل تدعو للدراسة والتأمل حول مفهوم العمل ومستويات الشعور بالمسؤولية والولاء الوظيفي وفي نفس الوقت نجد تناقض في التفكير ما بين الحصول على وظيفة وما يتبعه من استقلال مادي وتحقيق للذات وبين البطالة والعطالة عن العمل وما يرافقها من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية. اليوم مهما نال بعض الموظفين من اجازات ومهما كانت الاجازة قصيرة أو طويلة إلا أن التذمر وعبارات عدم الرضا والتعب واكفهرار الوجه وغيرها من المتلازمات هي ما يميز البعض ... فكأنه في حالة مستمرة من الكبد والمحن وكأنه يسقط الرغبة في الحصول على الأجر مقابل النوم أو عدم العمل أو الاستيقاظ صباحاً والذهاب إلى العمل !! وخاصة بعد العطل الأسبوعية أو الأعياد والإجازات وخير دليل تقارير الأجهزة الرقابية اللافتة للانتباه عن تأخر أو تغيب الموظفين قبل وبعد الإجازات حتى أن بعض الموظفين قد يضحي بمستقبله الوظيفي من كثرة ما يقدمه من قائمة أعذار ومن كثرة تأخره أو تغيبه قبل وبعد الإجازات. في الحقيقة الموضوع محير مقارنة بالشعوب الأخرى فهل هذه السلوكيات ناتجة من قصور في مفهوم أو قيمة العمل؟ ... أو قصور في الشعور بالمسؤولية والإخلاص مقابل الأجر؟ ... أم الموضوع تدنٍ في مستوى تقدير الفرد لذاته وعدم وعيه بأهمية دوره في المجتمع وأن العمل جزء من تحقيق الذات والثقة بالنفس. اليوم وبعد كل هذه الإجازة الطويلة الناس يشتكون من لخبطة النوم وأنهم لم يأخذوا كفايتهم منه والشكوى والتذمر لعدم التنظيم التي لن ولم تنته وليس لها نهاية .. ومهما قدمت الحوافز أو تم تحسين بيئة العمل أو تم تقليل ساعات الدوام أو توفير فترات الراحة فلن تنتهي هذه المتلازمة من عدم محبة أو كُره العمل والذهاب إلى الدوام إلا بترك العمل وكأن البعض يسعى إلى الفصل من العمل ويرغب في أن يكون عاطلاً كردة فعل إسقاطيه لعدم وجود أهداف واضحة في حياته وكعرض من أعراض ضعف تقدير الذات. كل الشعوب المتقدمة والمتحضرة في العالم تعلم أن الوظيفة أو المهنة هي جهد جسدي يقوم به الإنسان من أجل تحقيق هدف معين يعود عليه بالنفع من أجل المساعدة في تعزيز النمو الاقتصادي للبلد والزيادة في إنتاجها المحلي ودخلها الوطني إلى جانب الإسهام في بناء المجتمع والمحافظة على تطوره بالإضافة إلى تعزيز قدرة الفرد على الإنتاجية الذاتية بعيداً عن الاعتماد على الآخرين في الحصول على حاجاته الخاصة كما يُعد العمل ضرورة لبناء الشخصية وجعل الفرد قادراً على توفير حاجاته وحاجة أسرته من الطعام والشراب وحياة كريمة، ناهيك عن أن العمل عبادة يحض عليها الإسلام كونه تكريماً للإنسان وطريقاً لكسب عيشه وغاية من غايات إعمار الأرض. إذاً لماذا نأتي للعمل الصباحي متشائمين وعابسين وكارهين ولا نبتسم إلا بعد ساعات من العمل؟ ... أعتقد هناك أسبابا نفسية لا شعورية وهي عبارة عن تعبير إسقاطي عن الاكتئاب والقلق الذي يعاني منه الفرد ... أما الهروب من العمل أو المدرسة وادعاء المرض والأعذار المختلفة هي نوع من أنواع الحل اللاشعوري للتخلص من هذا القلق. كما أنها أحد أعراض التوتر والإجهاد النفسي والجسدي نتيجة لتعريض الفرد نفسه لعدد كبير من الموترات الحياتية من جراء سلوكه ونمط حياته الشخصي والاجتماعي والصحي الغير متزن. أعتقد أن متلازمة كُره الدوام في مجتمعنا تحتاج إلى مزيد من الدراسات النفسية والاجتماعية للتحول إلى مجتمع منتج ومسؤول ومخلص في عمله. وأخيراً أقول للكارهين للعمل ابتسموا فالكثير مازالوا يبحثون عن وظيفة.