دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. أسامة خياط المسلمين إلى الاستقامة في الأقوال والأعمال، وإن أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، فإذا استقام القلب على توحيد الله تعالى وخشيته، فإن سائر الجوارح عندئذ تستقيم على طاعته، بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، فالقلب بمنزلة الملك للجوارح، فإذا استقام استقامت. وقال في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام، إنَّ من أعظم ما تجب العنايةُ بصلاحه واستقامته من الجوارح -بعد القلب- اللسان؛ إذ هو المعبّر عن القلب، الكاشف عن مكنونه، على أنّ ما في الطبيعة البشرية من ضعف بيّن، وما يعتريها من قصور يقتضي ألا يطيق الناس الاستقامة الكاملة على أمر الله في كل أشواط الحياة؛ فلا مناص من التقصير فيها، بعدم الإتيان بها على وفق ما يرضي الله تعالى، لكنه سبحانه أرشد إلى ما يجبر به ذلك التقصير، ويكمل به النقص، وهو الاستغفار المستلزم للتوبة النصوح، التي يثوب بها العبد إلى رشده، ويفيء إلى طاعة ربه. وتابع: أمر صلى الله عليه وسلم مَن جنح عن الاستقامة أو قصَّر عنها بالتسديد والمقاربة، فقال عليه الصلاة والسلام: "سددوا وقاربوا"، مضيفاً أن السداد هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد، وهو حقيقة الاستقامة، والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغَرَض، إن لم يُصِب الغرض نفسه، ما دام عازمًا مبتغيًا إصابة الغرض، قاصدًا التسديدَ، غيرَ متعمدٍ الحيدةَ عنه. وأضاف د. خياط: استحضار هذا المقصود يبعث على تعظيم الرب سبحانه وإجلاله ومحبته محبةً تورث سلامة القلب، وإقباله على ربه، بطاعته والازدلاف إليه، واجتناب ما نهى عنه من المحرمات، واتقاء الشبهات؛ حذرًا من الوقوع في المحرمات، وأما الغفلة عن هذا المقصود؛ فإنها تُعقب صاحبها قسوةَ قلب، تجنح به عن سلوك سبيل الاستقامة، وترديه في العصيان، وظلمات الخطايا، فتكون عاقبة أمره خُسرًا، أعاذنا الله جميعًا من ذلك. وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن سبيل الاستقامة يوجب على السالك إلى ربه اعتماد أصلين عظيمين يذكرهما السلف كثيراً، وهما الاقتصاد في الأعمال، والاعتصام بالسنة، ذلك أن الشيطان كما قال ابن القيم -رحمه الله- يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصاً على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة، وهذا إلى بدعة المجاوزة والإسراف. بدوره، دعا إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. علي الحذيفي، إلى الرحمة والإحسان، وقضاء الديون عن المدينين والمساجين، مؤكداً أنه من السهل الوقوف على أعيانهم وتلمس احتياجات أسرهم. وقال في خطبة الجمعة أمس من المسجد النبوي، إن من أبواب البر الممتد أثره الواسع خيره قضاء دين المدينين، وأداء الحقوق الواجبة عليهم، ابتغاء ما عند الله من الجزاء العظيم، ولاسيما المسجونين ممن عجز عن أداء دينه، الذين يتطلعون إلى منقذ من أهل الرحمة والإحسان، كالغريق الذي يؤخذ به إلى بر السلامة، والذين تمر بهم الأعياد وأوقات فرح الناس وهم في السجون بسبب الديون، وهم غارقون في هم الديون. وتابع: إن أعظم من ذلك هموم من ورائهم، الذين يخافون عليهم الضياع والحاجة، وإن في أموال الأغنياء من الزكاة والصدقات ما يزيد على حاجات المحتاجين، ومن السهل الوقوف على أعيان هؤلاء المسجونين في الديون من إدارة السجون، وإيصال الديون لأهلها يقينا مع إعطاء المدين ما ينفق به على أهله لفترة يقوم بعدها بعمل، ومن الميسور تلمس حاجات ذوي الحاجة في كل بلد وإسعافهم وقت حاجتهم، والله تعالى يقول: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال". وأضاف د. الحذيفي: البشرى التي هي خير من الدنيا وما فيها لمن وفق لهذا العمل الصالح ولمن فتح هذا الباب، ولزمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". وتابع: الكربة هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وكرب يوم القيامة قبل دخول الجنة كلها عظيمة كثيرة، والإحسان إلى الخلق بأنواعه من الإنفاق الواجب أو المستحب أو التعليم أو التحمل والصبر وكف الأذى ونحو ذلك، ففي الحديث "الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"، أي هو يعولهم ويرزقهم سبحانه وتعالى. المصلون يستمعون للخطبة في ساحات الحرم النبوي