في كتابي كيف الحال "رؤية سلوكية معرفية في الشأن العام والإصلاح الهيكلي والمسؤولية الاجتماعية" كان من ضمن الأمور الأكثر أهمية التي تطرق لها الكتاب والتي كانت تمثل هاجساً وطنياً هي كيف يتم تحسين إجراءات العمل في مؤسسات الدولة وكيف نرفع من كفاءة وأداء تلك الأجهزة بما يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية، وكنت أتساءل إلى أين سيقودنا التضخم والتوسع في مؤسسات الدولة وأيضاً الازدواجية في الأداء.. فكل وزير أو مسؤول يبني إمبراطوريته بشكل أثر على التوزيع المتوازي والمتوازن للخدمات وعمق المركزية حتى أن نظام المناطق الذي يعمل ضد المركزية وتحقيق اللا مركزية والتنمية المجتمعية المحلية وتفعيل وتعظيم القيم المضافة واستغلال الموارد لكل منطقة قُتل في مهده نظير مركزية تلك الوزارات والمؤسسات وأصبح نظام المناطق يعمل بشكل جزئي بعيداً عن الصلاحيات المالية ناهيك عن تركز صناعة القرار في محيط تلك الوزارات بعيداً عن الشراكة المجتمعية للمناطق والشراكة في صناعة واتخاذ القرار المحلي.. ولو أن كل منطقة من المناطق الثلاث عشرة والمحافظات التابعة لها وبما تمتلك من بيئات جغرافية متنوعة ذات أبعاد وقيم اقتصادية أتيح لها أن تصنع قرارها وتنفذه لشاهدنا حراكاً تنافسياً وقيماً مضافة واستغلالاً أمثل للموارد الاقتصادية المتنوعة سواءً سياحية وصناعية وزراعية. اليوم سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد استطاع أن يحقق الكثير في فترة زمنية وجيزة فيما يتعلق بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لصالح تحسين الإجراءات وبالتالي تقليل الإنفاق غير المبرر وإضافة قيم مضافة للاقتصاد الوطني وتحسين كفاءة وجودة الإنفاق الحكومي، وهذه ركائز مهمة ورئيسية لصعود أي دولة للعالمية والرفاهية لمواطنيها واستدامة الموارد الاقتصادية وعدم تعرضها للهزات الاقتصادية. أمام الأمير الشاب بعد أن بدأ الطريق الصحيح ولديه رؤية واضحة هي 2030 المزيد من إعادة الهيكلة للمزيد من مؤسسات الدولة التي تؤدي وظائف متشابهة وأيضاً تفتيت بعض الوزارات المتضخمة والتركيز على إعادة تأسيس مؤسسات ووزارات بما يخدم الأهمية الحالية والمستقبلية للمجتمع. فعلى سبيل المثال وليس الحصر تحديات العمل والتوظيف والتوطين تشكل أولوية فلو استطعنا أن نعيد هيكلة هذا القطاع المهم بدمج كل من وزارة ومؤسسة وصندوق وهيئة تهتم بالعمل والتوظيف وتمويل التوظيف في مؤسسة واحدة تُعنى بالتوظيف وإدارة الموارد البشرية وتمويل توطين الوظائف وأيضاً التدريب والتأهيل والتطوير وإدارة الموارد البشرية.. أعتقد ليس من الأمثل أن يكون لدينا وزارتان واحدة للخدمة المدنية وأخرى للعمل وصندوقان واحد للتقاعد وأحدهم للخدمة المدنية والعسكرية وآخر للعمل وأيضاً صندوق لتنمية الموارد البشرية وهيئة أو مؤسسة لتوليد الوظائف وأخرى لدعم التوظيف.. الخ. هذا التعدد والتنوع والازدواجية في الأدوار الشبيهة والتي في آخر المطاف تصب في خدمة المواطن السعودي سواءً في قطاعات الدولة العامة والخاصة يشتت ويهدر الكثير من الموارد ويبعثر القوانين والسياسات وإجراءات العمل والتطوير والتوطين ويكثر من الاجتهادات وتطويل الإجراءات وفي آخر المطاف المزيد من الميزانيات والإنفاق في فروع لشجرة واحدة هي التوظيف، الموارد البشرية، التوطين.. إلخ. اليوم وفي إطار إعادة وهيكلة مؤسسات الدولة يجب أن تكون إعادة الهيكلة أكثر مرونة وموجهة نحو حاجات ومطالب ونمو المجتمع والتحديات التي تواجهه فالخدمات الاجتماعية والصحة لجميع طبقات المجتمع ونوعية التعليم والاهتمام بالشباب ركيزتين أساسيتين لنهضة وتطوير أي مجتمع واستدامته وتحضره وفي مسار متوازٍ الإسراع في إطلاق مارد السياحة وتوفير الإسكان والتنوع في توفير قنوات العمل والتوسع في سوق الطاقة المتجددة على مستوى الدولة وتسهيل وصولها لأي مواطن بيسر وسهوله وبأسعار منافسة.. إلخ. إن إعادة الهيكلة لا تعني الاستغناء عن الموارد البشرية أو تسريحها أو الحد من دخلها فهذه أسهل الطرق ولكنها قد تؤدي مثل هذه الأفكار إلى كوارث اجتماعية وبطء في القدرة الشرائية.. فأي إعادة هيكلة هي في الأصل تتمحور على العنصر البشري وليس المباني والمسميات ويمكن استيعاب الجميع من خلال برامج التحفيز وقياسات الأداء والتطوير من منطلق أن الجميع شركاء ولا يوجد وطن ينمو ويتطور ويتحضر وينتج بدون شراكة مواطنيه.. والأفكار الاقصائية والمحسوبيات لا تحقق الولاء لكلمة (وطني) التي تعني "وطن، طموح، نبنيه، ينمو".