"وفي مشارق الصين بلاد الواق واق وهي كثيرة الذهب حتى أن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من ذهب ويأتون بالقمص المنسوجة بالذهب للبيع وبالواق واق الأبنوس الجيد". ينسب الكلام أعلاه إلى ابن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك. وعلى الرغم من اختلاف المحققين في كون بلاد الواق الواق هي مدغشقر أو إحدى الجزر التابعة للصين، فمقالة اليوم تناقش السؤال: هل اليابان هي بلاد الواق واق؟ تبدأ القصة في الصين القديمة حين كان الصينيون يطلقون على اليابان اسم "واكوكو" بمعنى بلاد "الوا" حيث استمرت هذه التسمية إلى حوالي عام 701م. وافقت تلك الفترة عصر نارا في اليابان التي حكمها وقتها الامبراطور شيوتوكو بعد سلسلة طويلة من الحروب الداخلية التي أنهكت اليابانيين. وبعد أن استقرت الأمور بدأ قادة اليابان العمل على تحصينها من الأخطار الخارجية من خلال التعرف على أحدث ما وصلت إليه البشرية في العصور الوسطى لا سيما وأن الطبيعة الجغرافية لليابان كجزيرة تحيطها البحار والمحيطات من كل جانب جعلت من التبادل التجاري والتعارف البشري أكثر صعوبة مقارنة بالشعوب التي كانت تتبادل المنتجات والبضائع على طريق الحرير أو كما هو حال رحلة الشتاء والصيف لتجار قريش. ونعود إلى حكام اليابان الذين أرسلوا البعثات الاستطلاعية لتستكشف الصين ولم يبخلوا على أفراد البعثات وزودوهم بالذهب ليتمكنوا من أداء مهامهم بنجاح من شراء أحدث المعدات ونقل آخر المعارف لليابان. ويبدو أن التجار والرحالة العرب في الصين رأوا أفراد البعثات الاستكشافية اليابانية أو سمعوا عن إنفاقهم بسخاء باستخدام الذهب مما خلق هذا التصور عن غنى بلاد (واكوكو) والتي سميت الواق الواق. ونجد على سبيل المثال معبد كين كاكوجي أو (معبد السرادق الذهبي) الذي بني بالذهب في عام 1379م ويعد من أبرز المعالم السياحية في مدينة كيوتو ويرسم لنا صورة عن توافر الذهب في اليابان. ولعلني أخرج بعدد من النقاط من قصة بلاد الواق واق وهي: الأحاديث المنقولة، بما فيها التواصل الاجتماعي، كثيراً ما تكون غير دقيقة ومبالغ فيها. أهمية الدور الذي تلعبه القيادات في بناء الأوطان من خلال الإنفاق على التعليم ونقل العلم والمعرفة من الخارج. وأخيرا، ذهب الواق واق انتهى والبترول السعودي والخليجي سينتهي وينضب يوماً وما يبقى هو الاقتصاد المعرفي الذي يقوم على الاستثمار في أبناء الوطن وتوفير البيئة الداعمة لنجاحاتهم وإبداعاتهم..