عندما تفتقر الرؤية السياسية لأي دولة عضو في أي اتحاد أو تكتل سياسي واقتصادي واجتماعي, وتخالف ميثاق هذا المكوّن الاتحادي, فإن مشروع تحقيق الأهداف الإستراتيجية لهذه المنظومة السياسية المتحدة سيتعرض لخطر التفكك واحتمال التصدع نتيجة لعدم التزام طرف ما بالمعاهدات والأعراف السياسية السائدة والقواعد القانونية التي تحكم، وتنظم العمل السياسي المشترك لجني ثمار الوحدة السياسية والترابط الاجتماعي والتماسك الاقتصادي بغية المحافظة على أمن واستقرار المنظومة المهددة أساساً بأطماع كيانات أخرى مجاورة تسعى منذ زمن طويل إلى زعزعة وتفكيك وشائج التلاحم لأجل أن يتحقق لها التوغل لخلق الفوضى وإشعال الفتن ثم بسط سيطرتها عسكرياً على المدى البعيد. وعندما ترى هذه الدولة أن قرار دعم أي جماعة خارجة عن القانون ومنعزلة تنظيمياً عن إطار العلاقات الدولية التوافقية مما قد يضر باستقرار ومصالح دول أخرى في المجموعة ذاتها، على أنه قرار سيادي لا يحق للدول الأخرى معارضته أو رفضه وانتقاده، فإنما يشير ذلك النهج السياسي المنفرد إلى عدم مبالاة الدولة المنشقة بمصير وأمن المنظومة ذاتها. وطالما تظن هذه الدولة أن رؤيتها لدعم أحزاب وعناصر ومليشيات مصنفة دولياً في قائمة الإرهاب سيحقق لها -على حساب دول الجوار- الحصانة القوية من أي اعتداء محتمل, وأن تلك الرؤية السياسية التي تعتقد الدوحة بكونها الوسيلة المثلى للبقاء وممارسة دور ريادي في الساحة الدولية بحيث يسمح لها أن تلعب دوراً مؤثراً للتدخل في شؤون دول أخرى بالمنطقة, فلماذا إذن تتظاهر هذه الدولة الصغيرة بأنها كبيرة وفاعلة في مجموعتها, وأنها ملتزمة بتطبيق مبادئ حسن الجوار وكذلك بنود القانون الدولي التي تجرّم أي دولة تدفع فدية مالية ضخمة لجماعة إرهابية مهما كانت المبررات والدوافع لهذه الفدية التي تقدر بأكثر من مليار دولار أميركي؟ لماذا تفعل ذلك من تحت الطاولة طالما أنها ترى بأن سيادتها واستقلال قرارها يمكنها من العمل على المكشوف وفي وضح النهار. وهل يعقل أن يُتّخذ مبدأ السيادة كما يزعم صناع القرار في الدوحة مبرراً منطقياً لنقض المعاهدات والتعاون مع العدو المشترك؟ وما علاقة السيادة أصلاً بما تُتهم به قطر من السباحة عكس التيار والتغريد خارج السرب الخليجي وهي تدرك تماماً أن هذا المسار المنحرف عن مسار المنظومة الخليجية إنما يصب في مصلحة المشروع الفارسي في المنطقة بالرغم من علمها بأن عاصمتهم ستكون -في حالة اندلاع أي صراع عسكري مع إيران- في مرمى صواريخ العدو عاجلاً أم آجلاً. على أية حال، فان ما تم اتخاذه من قرارات جماعية حازمة من قبل دول المجلس الخليجي إنما ينسجم مع نص الاتفاقيات بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لحماية بلدانه وشعوبه من أي خطر يتهدد المصير المشترك. وبالتالي فإن شعوب المنطقة مطالبة بالتضامن مع قرارات قادة دول الخليج التي جاءت لأجل الضغط على دولة شقيقة منشقة أملاً في تصحيح المسار والتوقف عن دعم جهات خارجية لا تريد الاستقرار والتقدم والرخاء والنماء لدولنا وشعوبنا. كما أن قرار قطع العلاقات مع الدوحة ليس عدائياً وإنما أخوياً كونه يهدف إلى إعادة قطر إلى حضنها الخليجي وعمقها الإستراتيجي العربي لا الفارسي الصفوي. ونحن مواطني مجلس التعاون الخليجي إذ نتألم لما حدث لأشقائنا إنما نأمل في الوقت ذاته أن تكون هذه الأزمة مجرد كبوة عابرة وسيعود بعدها الأشقاء إلى محيطهم الخليجي قريباً.