جاء بيان المملكة العربية السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر كاشفاً لوضوح وعقلانية السياسة السعودية ورسوخ ثوابتها واحترامها لقواعد القانون الدولي، كما هو كاشف لصلابة وقوة الرد السعودي في مواجهة أي محاولات للمساس بالأمن الوطني للمملكة، إلى جانب العزم والحزم والإصرار على التصدي للإرهاب والتطرف. وحمل بيان المملكة بقطع العلاقات مع قطر ما يفيد بوضوح أن صبر المملكة حكومة وشعباً قد نفد نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة منذ سنوات طويلة سراً وعلناً بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة والمساس بسيادتها. ويشير البيان أن المملكة لم تتخذ هذا القرار بقطع العلاقات نتيجة لتصريحات أمير قطر الأخيرة والتي أعلن فيها تبعيته وانحيازه لإيران وعلاقته القوية مع إسرائيل على حساب علاقته بأشقائه في الإمارات والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون والدول العربية، وإنما نتيجة للكثير من الانتهاكات والمواقف غير المسؤولة لحكومة قطر والتي تراكمت على مدى سنوات كثيرة والتي طالما غضت المملكة الطرف عنها، وحرصت على تقديم النصح والتوجيه لحكام قطر وتجاوزت عن كثير من الأخطاء حفاظاً على وحدة الصف الخليجي والعربي وهو ما لم تعيه السياسات القطرية المراهقة ولم تستفد منه ليكون قرار قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية هو الحل الأخير الذي يشبه العلاج بالكي وتضمن البيان ما يفيد إدراك حكومة المملكة العربية السعودية ومعرفتها بما تقوم به الحكومة القطرية في الخفاء والذي ربما يتنافى كلياً مع السياسات المعلنة، هذا إلى جانب الموقف الواضح لقطر من احتضانها للجماعات الإرهابية والتي يتم استخدامها لضرب أمن واستقرار المنطقة مثل جماعة الاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وداعش واتاحة وسائل إعلام قطر وفي مقدمتها الجزيرة للترويج لأفكار هذه الجماعات ونشرها على نطاق واسع. ولعل أبرز ما تضمنه بيان المملكة والخاص بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر هو الإشارة الواضحة إلى دعم حكام قطر لأنشطة الجماعات الإرهابية المدعومة من ايران في محافظة القطيف السعودية وتكاد تكون هذه المرة الأولى والتي تعلن فيها حكومة المملكة تورط قطر في دعم هذه الجماعات تنفيذاً للأجندة التي يتبناها نظام الملالي في إيران والتي تطوعت قطر أو اختارت أن تكون عوناً له وذراعاً لتنفيذ مخططاته الاجرامية التوسعية بالمنطقة. وحمل البيان ما يؤكد مسؤولية المملكة العربية السعودية ودورها الفاعل في الدفاع عن الدول الشقيقة بمجلس التعاون الخليجي عندما أوضحت أن من أسباب اتخاذ قرار قطع العلاقات مع قطر هو تدخلها السافر في شؤون مملكة البحرين وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين ينفذون أجندة ايران لضرب أمن واستقرار البحرين. ولعل أخطر ما تضمنه بيان المملكة هو التأكيد على دعم السلطات القطرية لمليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن رغم عضوية قطر في تحالف دعم الشرعية، وهو ما يكشف الوجه القبيح والمتناقض للسياسات القطرية والتي تبدي دائماً غير ما تخفي وتمارس في السر عكس ما تتفق عليه وتعلن على موائد الحوار وداخل قاعات الاجتماعات و النكوص عن كل ما تتعهد به من التزامات وما توقع عليه من اتفاقات داخل مجلس التعاون الخليجي، ومنها الاتفاقات التي وقعتها قطر فعلياً بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية ولعل أوضح مثال على ذلك اتفاق الرياض والذي وقعت قطر عليه بشأن تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب إلا أنها لم تلتزم به، بل و أعلنت بوضوح انحيازها لإيران وعلاقتها بإسرائيل وسعت لتبرير جرائم التنظيمات الإرهابية التي تستضيفها في الدوحة وتقدم لها الدعم والتمويل في كثير من الدول والعواصم الأخرى. ويكشف البيان أن جميع محاولات المملكة واشقائها من الدول العربية ودول مجلس التعاون والتي بذلت منذ عام 1995 لم تفلح في اقناع السلطات في قطر على تعديل سياستها وتصحيح مواقفها والالتزام بتعهداتها، ولم تكن كل هذه الجهود كافية للتوقف عن الأعمال العدائية التي تدعمها قطر ضد المملكة بما في ذلك الممارسات الاعلامية واستخدام وسائل الاعلام القطرية لتأجيج الفتنة ورغن وضوح البيان وما يمثله من عقاب صارم لحكومة قطر من خلال اغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية السعودية ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الاقليمية السعودية لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي إلا أنه أشار بوضوح إلى إلتزام المملكة كعادتها بتوفير كل التسهيلات والخدمات للحجاج والمعتمرين القطريين، كما يؤكد حرص حكومة المملكة على الشعب القطري باعتباره امتداد طبيعي وأصيل لإخوانه في المملكة، كما ورد في البيان بأن المملكة ستظل سنداً للشعب القطري وداعمه لأمنه واستقراره بغض النظر عما ترتكبه السلطات القطرية من ممارسات عدائية ضد المملكة وهو الموقف الثابت الذي تنتهجه المملكة تجاه كل شعوب الدول العربية والخليجية الشقيقة حتى وإن اختلفت سياسات حكومتها.