قبل حوالي الشهر من اليوم أعلنت إيران فوز روحاني بالانتخابات على منافسه إبراهيم رئيسي، إلا أن الفائز الحقيقي كان نظام ولاية الفقيه، الذي كان دائماً يتلاعب في الانتخابات لتتناسب مع جدول أعمال المرحلة.. وبما أن المرحلة المقبلة تتسم بتشديد العقوبات على نظام ولاية الفقيه وبحلف عربي-أميركي متين يهدف إلى كسر شوكة المنظمات الإرهابية ووكلاء إيران المزعزِعين لمنطقة الشرق الأوسط اختارت طهران الاستمرار بدعم روحاني كواجهة معتدلة للنظام خوفاً من دفع رئيس متشدد إلى الواجهة يزيد من عزم الإدارة الأميركية الجمهورية على إنهاء عبث إيران الخارجي المستهدف لاستقرار وأمن حلفاء واشنطن.. واستهلّ روحاني عهده الجديد بخطبة قال فيها إن إيران اختارت الانخراط مع المجتمع الدولي لنبذ العنف والإرهاب، إلا أن واقع الحال لا يدل على تراجع إيران عن أي من مشاريعها الإرهابية التي تحيكها سواء في سورية أو لبنان أو اليمن، كما أن أكبر تحدي يواجه إيران اليوم هو الاقتصاد المتهالك للدولة والذي أفرز عدة مشكلات من بينها عمالة الأطفال، والفقر المدقع، والبطالة، وانتشار الأمراض كالإيدز، حيث يقع نظام الملالي بالفخ ذاته باستمرار محاولاً الهروب من مشكلات داخلية تنخر المجتمع الإيراني بإرضاء الحاضنة الشعبية المؤيدة للنظام بأوهام انتصارات خارجية ليست إلا هجمات إرهابية لن يصعب على أي دولة القيام بها عبر وكلائها إذا كان التنظيم المارق "داعش" يقوم بذات الأعمال الإرهابية وهو محارب من العالم أجمع.. وعلى الرغم من أن اتفاق النووي الذي وقعه أوباما مع إيران رفع جزء من العقوبات المطبقة على طهران، إلا أن نظام الجزاءات الأمريكي الانفرادي المستمر في عهد ترامب بكثافة سيبقى عقبة رئيسية في طريق الاستثمار الأجنبي الذي تشتد الحاجة إليه في طهران التي يقف اقتصادها على شفير الهاوية، حيث تستمر العقوبات الفردية الأميركية بجعل أي استثمار أجنبي في إيران أمر معقد أو غير قانوني.. وعلى الرغم من توقع عدد من التيارات المؤيدة لطهران بأن الرئيس ترامب لن يقفل الباب بوجه إيران قبل وصوله للرئاسة، حسمت كلمات تيليرسون و الرئيس ترامب في قمم الرياض المسألة ليقول تيليرسون بأن محور قمم الرياض كان التقليل من التهديد الإرهابي المدعوم من إيران في المنطقة، كما كان الرئيس ترامب واضحاً في خطبته بحزمه تجاه إيران حتى أنه اقترب من الدعوة لتغيير النظام فيها.. وليس المجتمع الدولي وحده الرافض لعبث إيران بل تشتد حدة الغضب في الشارع الإيراني كل يوم بسبب المشكلات الاقتصادية ورداءة نوعية التعليم والخدمات في البلاد التي يتم إهمالها على حساب هجمة طائفية هنا أو هناك تكلف طهران ملايين الدولارات، إضافة إلى إبقاء البلاد تحت رحمة العقوبات، حيث كتب الكاتب السياسي الإيراني شهريار كيا مقالاً في صحيفة "دايلي كالر" رفض فيه ادعاء النظام بأن انتخابات روحاني كانت تمثل إرادة الشعب، وتنبأ بأن هذه الانتخابات ستكون الشرارة التي من شأنها أن تحرق نظام الملالي،ويقول كيا: نظراً لظروف النظام الداخلي والإقليمي والدولي المأساوية التي تواجهها طهران، فإن الخامنئي يحتاج بشدة إلى توحيد جهازه لمواجهة الأزمات العديدة والحفاظ على توازن نظامه، كما يرى كيا أنه من شأن هذه الانتخابات إضعاف الحرس الثوري الإيراني الأمر الذي سيؤدي إلى خلافات بين قطاعات الدولة ستنتهي بالانهيار في نهاية المطاف.. ولفهم أبعاد انتخابات إيران ومآلاتها قابلت "الرياض" في واشنطن الدكتور ماجد رفيزاده الباحث والمعارض الإيراني وعضو مجلس الإدارة في كل من جامعتي كولوميبيا و هارفرد وحول حقيقة منصب الرئيس في إيران أخبر الدكتور رفيزاده "الرياض" بأنه ليس للرئيس في إيران كلمة في السياسة الإقليمية والخارجية ويمكن للمطلع على انتخابات إيران أن يلاحظ بأن روحاني لم يذكر كلمة عن الحرب في سورية أو اليمن أو لبنان خلال حملته الانتخابية، وليس هو فقط بل كل المرشحين للرئاسة لأن هذه القضايا هي في حدود اختصاص خامنئي والحرس الثوري الإيراني ولا يمكن لأحد أن يتخطاها، وفي النهاية آراء جماعة روحاني من المعتدلين الإيرانيين حول الوكالات الإيرانية في سورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين فهي تتماشى تماماً مع آراء المتشددين.. أما مهام الرئيس في إيران فتقتصر على تهيئة الأمور للشارع وتسهيلها على المرشد الأعلى وكادر الجيش والحرس الثوري الإيراني من خلال تكتيكات معينة، وبناءً على هذا فإن التكتيكات تتغير في إيران ولكن الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية والمبادئ الثورية الشيعية لا تزال هي نفسها كما كانت على مدى العقود الأربعة الماضية، وخامنئي وأعضاء في الحرس الثوري الإيراني هم صنّاع القرار النهائيون.. وسيواصل خامنئي والحرس الثوري الإسلامي اتباع سياساتهم التوسعية والتدخلية من أجل تحقيق طموحاتهم بالهيمنة الإقليمية، وبالنسبة لخامنئي في هذه المرحلة فإن روحاني هو أفضل خيار لتسهيل جدول أعمال النظام، حيث يأمل خامنئي أن يجلب له روحاني "المعتدل" الأموال التي يحتاجها النظام، ويعزز شرعية المؤسسة السياسية في الغرب، ويقلل من ضغط الغرب على طهران، إضافة إلى تخفيف حدة التوترات في حال كانت واشنطن مستعدة لاستهداف طهران.. و عن حقيقة تجاوب الشعب الإيراني مع الانتخابات يقول الدكتور رفيزاده: أكبر تحدي يواجه النظام الإيراني اليوم هو أن النسبة الساحقة من سكان إيران هم من الشباب دون سن الثلاثين ، ومعظمهم غير راضٍ عن تولي رجال الدين شؤون المؤسسة السياسية في إيران.. هؤلاء الشباب يرفضون النظام جملةً و تفصيلا،ً وهم على استعداد لتشكيل انتفاضة شعبية في أي فرصة تسنح لهم، ويضيف الدكتور رفيزاده: الشعب الإيراني غير راضٍ والنظام يواجه تحديات في توفير الحرية والعمل والعدالة الاجتماعية لسكانه، أما التحدي الآخر فهو هزالة نظام الأسد واقترابه من السقوط بعد كل الأموال والجهود التي بذلت عليه، عدا عن استمرار فرض عقوبات أحادية أو متعددة الأطراف ضد إيران إلى جانب الضغط الدولي والإقليمي لوقف نشاطات إيران المصدرة للإرهاب.. و لتفسير عدم الرضا الشعبي في إيران عن النظام يقول الدكتور رفيزاده: عدا عن كل الأوضاع المعيشية السيئة داخل البلاد فان إيران تحتل المرتبة الأولى عالمياً في انتهاك حقوق الإنسان في العديد من المجالات والتقارير الكثيفة الصادرة عن منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، والأمم المتحدة أدلة واضحة على هذه الانتهاكات، حيث يواصل روحاني السماح للسلطة القضائية والحرس الثوري الإيراني وقوات المخابرات بالتصدي الكامل لحرية الصحافة والتجمع والكلام وأي حقوق للإنسان، فعلى سبيل المثال لا يزال معدل الإعدام والقمع الإيراني للأقليات العرقية والدينية (وخاصة العرب السنة) في ازدياد، ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فإن إيران حاليا تحتل المرتبة الأولى في العالم عندما يتعلق الأمر بالإعدامات.. وأخيراً يتوقّع الدكتور رفيزاده عدم استمرار الإسلام السياسي الايراني لوقت أطول بسبب ازدياد متطلبات الشعب الإيراني، وهو شعب حي سيطالب بحقوقه وبوجوب استعادة دور إقليمي وعالمي هام لإيران بعيداً عن العزلة التي يسببها النظام في طهران لمواطنيه وبلاده، كما يرى الدكتور رفيزاده بأن النظام هو من خرب علاقات الإيرانيين مع الجوار، حيث يؤكد بأنه هناك كيانات معارضة قوية ونافذة مستعدة لوضع يدها بدول الخليج و على رأسها المملكة العربية السعودية لمواجهة نظام إيران، كما ستكون الرسالة الأكثر تهديداً لإيران عبر تشكيل تحالف بين المعارضة الإيرانية وبلدان عربية وغربية، فأكثر ما تخشاه إيران هو القوة الناعمة ووصول أندادها إلى الداخل الإيراني المعارض.