مكافحة التطرف في الأفكار والخطاب والسلوك؛ سيكون العنوان الرئيس لزيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض قبل الحديث عن أي تعاون مشترك بين المملكة والخليج والدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب على الأرض، حيث ترى الإدارة الأميركية أن التطرف هو أساس المشكلة التي أفضت إلى كل ذلك العنف والفوضى في المنطقة، وبالتالي لا يمكن تحجيم الإرهاب قبل تجفيف منابعه المتطرفة، وهذه القناعة سليمة، وتستحق التأييد، من خلال أدوات عصرية تنشد السلم، وتنشر الاعتدال والتسامح، وتغذي الانفتاح على الآخر برؤية عميقة من المشتركات الثقافية للتعايش، ونبذ الكراهية. الخطاب الذي يلقيه الرئيس دونالد ترامب في القمة الأميركية الإسلامية، وما يتبعه من افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف، والمشاركة في ملتقى مغردين لتوجيه نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي نحو الحرب على الإرهاب والتطرف، كذلك افتتاح معرض المملكة الموازي في نشر ثقافة الحياة وتحديداً بين جيل الشباب، وما يليها من منتدى الرياض العلمي لمكافحة التطرف والإرهاب؛ كل ذلك ينتهي إلى قناعة من أن الرئيس الأميركي جاء لهدف رئيس وهو محاصرة التطرف بلغة وممارسة مختلفة بين الشعوب الإسلامية، ويعزز ذلك الهدف إستراتيجية أميركا في الحرب على الإرهاب. نحن ندرك أن التطرف لا تصنعه فرضية معينة، وإنما هو نتاج إرث طويل من التحولات والمتغيرات، ونجزم أنه كان على رأس قائمة أسباب ظاهرة الإرهاب في العالم، ولكن ندرك أيضاً أن التطرف كان وثيق الصلة بخطاب إعلامي مأزوم في إشهار المواقف، وتلوين الحقائق، ومثقل بأجندات الطائفية والتكفير، واختراق إيديولوجي عابر للحدود في مهمة التجنيد للأتباع، وتسويق الأفكار، وتحريض السلوك، وبالتالي لم تعد ماكينة التطرف تعمل على نشر فتاوى أو مواعظ، وإنما أصبحت مع ذلك تحمل مشروعاً سياسياً مخيفاً، ومثيراً، واستغلت معه شبكة الإنترنت لتأسيس خطاب إعلامي مسيّس يحمل في أحشائه رسائل ملغومة لفكر العنف والكراهية، وتصديره بوسائط تقنية متعددة، واستغلال رجع الصدى في بناء متناقضات، وشبهات، وأجندات، وهو ما شكّل في مجمله جماعات متطرفة تلتقي في عالم افتراضي، وجرّها إلى مستنقع الصراع لمصالح دول واستخبارات لتحقيق منها ما تريد. المملكة أدركت منذ وقت مبكر جداً خطر التطرف، وأنه السبب الرئيس لظاهرة الإرهاب، وعملت على مدى سنوات في تجفيف منابعه، والتصدي لرموزه، وتفكيك بُنيته، وتعرية أفكاره، وكان لها نجاحاً في ترسيخ ثقافة الحوار، والتعايش، والاعتدال، والتسامح، واستطاعت مؤخراً أن تشكّل تحالفاً إسلامياً في محاربة الإرهاب أحد أهم عناصره مكافحة التطرف، واليوم تجمع قادة العالم الإسلامي والرئيس الأميركي في مهمة تاريخية للتصدي لمظاهر التطرف والإرهاب، وشراكة جديدة لإنقاذ المنطقة، ورسم توازناتها الإقليمية.