ما إن انتشر خبر وفاة الأستاذ تركي بن عبدالله السديري وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي في نعيه حتى ساد الحزن العميق الوسط الإعلامي السعودي بمختلف مشاربه وتوجهاته، والترحم على فقيد الصحافة السعودية والعربية وملكها المتوج بعد أن أطلق عليه هذا المسمى الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-. حقيقة يعجز القلم عن رثاء هذه القامة الإعلامية الكبيرة في سماء الإعلام السعودي والعربي فقد تعددت مناقبه بشكل يصعب على المرء حصرها لكن يمكن إجمالها في ثلاث مناقب هي الإخلاص وعشق المهنة إضافة إلى حسن الإدارة والتي قادت "الرياض" الجريدة إلى صدارة الصحف السعودية والعربية توزيعاً وإعلاناً وتأثيراً على الرأي العام. من خلال انضمامي لجريدة الرياض قبل أكثر من 20 عاماً وتحديداً عام 1996 عملت مراسلاً للجريدة في محافظات ومراكز شمال منطقة عسير، وكنت أعتقد أن المقام لن يطول في هذه الجريدة حيث كانت هناك صحف منافسة في المنطقتين الغربية والجنوبية أقرب جغرافياً من المنطقة من الرياض، لكن مع الممارسة تأكد لي أن الرياض من افضل الصحف التي تغطي كافة ارجاء الوطن وتملك في أغلب مناطق ومحافظات ومراكز المملكة مراسلين لنشر اخبار التنمية ونقل هموم المواطنين في كل مكان إضافة الى التعريف بمدن وقرى المملكة وإبراز معالمها السياحية والأثرية والتراثية، كما لم تكن "الرياض" تحت قيادته صحيفة للأخبار فقط فقد تنوعت اهتماماتها في الثقافة والاقتصاد والسياسة والفن والرياضة علاوة على التراث والآثار مدعومة بخيرة من كتاب الاعمدة والمقالات الطويلة والقصيرة التي تسهم في اثراء المعرفة وتوسيع دائرة الثقافة للقارئ. ومما شدني للبقاء في هذه الصحيفة هذه المدة الطويلة اتاحة الفرصة للكتابة في مختلف اقسام الجريدة -ان كان لدى الصحفي ما يقدمه- ومن هنا أتيحت لي الفرصة للكتابة في الاقتصاد والتحقيقات والسياسة والتراث والثقافة مما جعلني اشعر بالقرب من ميولي الصحفية، ونقل ما أراه مهماً ويستحق النشر والتوضيح الى قراء الجريدة الكرام، وبالتالي فإن الصحفي في جريدة الرياض من خلال مساحة الحرية الكبيرة التي منحتها الجريدة لمحرريها بقيادة ربانها الاستاذ تركي رحمه الله، قد أوقدت روح الابداع والتميز لدى الصحفيين وانعكس ذلك على التألق الدائم لجريدة الرياض، وجعلها محط اهتمام المسؤول والقارئ على حد سواء. خلال رحلة ال20 عاما مع جريدة الرياض زرت مقر الجريدة الرئيسي في الرياض مرتين حيث اتيحت الفرصة للقاء بالأستاذ تركي السديري -رحمه الله-، رغم اننا لم نكن بعيدين عن اهتمامه ومتابعته من خلال ما يصل مكتب الجريدة في أبها بشكل شبه يومي سواء من إشادة أو توجيه أو شحذ للهمم وطلب تقارير وتغطيات لمواضيع محددة، وقد كانت الزيارة الاولى عام 1425 وخلال تلك الزيارة التقيت به مرحباً، ومتابعاً بنشاط سير إخراج عدد اليوم التالي من الجريدة، وبعد حوالي 10 سنوات زرت المقر مرة أخرى فوجدت تغيرات تطويرية كبيرة في الجريدة، وكانت الجريدة تعج بالحركة والعمل الدؤوب وكأنها خلايا نحل، وما لفت نظري اكثر وجود الاستاذ السديري متابعاً لعمل الجريدة بكل جد ونشاط رغم التقدم في السن، وكان فيما ظهر لي يناقش مواضيع تخص العمل مع نائب رئيس التحرير راشد الراشد -رحمه الله- وآخرين، ومن تلك اللحظة تأكد لي سر تميز "الرياض" الدائم حيث أعطاها جل وقته وجهده فكان لها هذا التميز. الاستاذ تركي السديري لم يكن خاصاً بجريدة الرياض فحسب بل كان مهتماً بالإعلام السعودي بمختلف مؤسساته ومنتسبيه وتجاوز هذا الاهتمام النطاق المحلي الى الاعلام العربي ويظهر ذلك جلياً من خلال ترؤسه العديد من الهيئات والجمعيات الصحفية على المستوى المحلي والخليجي، كما كان يرى الاستاذ السديري رحمه الله أن الإعلام من امضى الاسلحة للدفاع عن الوطن فسخر قلمه للدفاع عنه، كما جعل من جريدة الرياض واجهة صلبة للتصدي لأعداء الوطن وتفنيد اقوالهم وما يروجون له، إضافة إلى إبراز ما تقوم به الدولة وقيادتها من جهود جبارة نقلت الوطن إلى مصاف الدول العالمية تنموياً وحضارياً، ولم تكن جريدة الرياض هي نافذته الوحيدة للدفاع عن الوطن فكان كثيراً ما يُرى عبر القنوات الفضائية أو المحطات الإعلامية الشهيرة كإذاعة البي بي سي للدفاع عن مواقف المملكة وتوضيح سياساتها فكان خير من يمثل الوطن. رحم الله الفقيد الأستاذ تركي بن عبدالله السديري وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.