في رحلته الشهيرة التي انطلقت أواخر عام 1930م من ظفار لرائد مستكشفي الربع الخالي البريطاني برترام توماس وزير مالية عمان وأثناء مروره ببدو أقاليم الجبال لاحظ ضمن المشاهد التي دونها في كتابه "رحلات ومغامرات عبر صحراء الربع الخالي" قطعان الماشية العابرة في طريقها إلى برك الماء عبر الدروب الضيقة تحفها صيحات الرعاة إذ تعد ثروة الماشية في هذه الجبال مصدر رزق عظيم بالمعايير العربية. فكل رجل وامرأة يمتلك لنفسه عدداً من رؤوس البقر وهي الثروة الرئيسية عندهم. وعرف أن هناك من أبناء تلك المناطق من يمتلك ما يزيد على مئة بقرة رغم أن عتبة الثراء حسب تعبيره تبدأ من مستوى عشرين رأساً ومن يمتلك أربعين رأساً يعد من كبار الأثرياء. الثراء يبدأ بعشرين رأساً والأربعين من كبار الأثرياء ويذكر بأن أهل هذه المناطق لا يربون في الأغلب إلا الإناث من العجول من أجل الحليب والسمن ويكفي أن يكون في عدد القطيع ثوراً أو اثنان حيث يصار إلى ذبح ذكورها من أجل لحومها ويوضع الجلد المحشو على هيئة عجل قبالة الأم في أثناء موسم الحليب لكي تقوم بلعقه وإدرار المزيد من الحليب. وهو كما وصفه تقليد عربي متبع على نطاق واسع على غرار التقليد المتبع بالنسبة للإبل. لاحظ أيضا أن الإبل تربى في الوديان الحراجية في الأسفل على نطاق واسع جداً إنما من قبل جماعات محدودة لأن مردودها أقل بالنسبة للإنسان هناك وتتطلب قدراً أكبر بكثير من الرعاية والعناية. حتى طقوسها التناسلية تستدعي تدخل الإنسان ومساعدته دوما، والنوق الحلوب لا تعرف الأقتاب أبدا وهي بطبيعتها حيوانات غير مؤهلة للركوب على الإطلاق. كذلك لا يتم استيلاد النوق إلا من أجل ذكورها. الجنس الأقوى لتسخيرها في نقل حاجيات الإقليم وحمل البخور من الجبال إلى السواحل والعودة بالسردين من البحر لاستخدامه علفاً للبقر. لاحظ كذلك اهتمام سكان بعض الأقاليم هناك بتربية قطعان المعاز، وليس الضأن لأن بعض أهالي الجبال هناك يتطيرون من لحم الضأن ويرون فيه فألاً سيئاً، ويرفضون تناوله في أثناء حضورهم لإحدى الولائم في المدينة. مع ذلك فتقديم وجبة من لحم الضأن في مناسبة ما أو ضيافة. لا ينطوي على أية إساءة شخصية، كما هي الحال بالنسبة للبيض أو الدجاج. ومع وجود نشاط زراعي يتعلق بذلك ويعتمد على زراعة الفاصوليا التي تستخدم أعلافاً لحيواناتهم تبقى موارد المعيشة الرئيسية لبناء هذه الأقاليم هو تربية الأبقار، لأن هؤلاء الجبليين هم أساساً سلالة من الرعاة غير الرحل إلا أنه لاحظ أمراً غريباً إذ تقتصر مهمة حليب القطيع عندهم على الرجال فقط ولا تجرؤ أية امرأة على مس ضرع البقرة أو الناقة أو النعجة والمعاز فهذه خطيئة لا تغتفر. وفي حالة إصابة أحد حيواناتهم بمرض ما، كانقطاع الحليب مثلاً، فهم يعزون ذلك على الفور بحسب وصفه إلى العين الشريرة "عين إبليس" والتي بالنتيجة تمثل هلعاً كبيراً بالنسبة لهم ولرد العين الشريرة يصار إلى استخدام طقوس البخور والتي تؤدي عادة مع شروق الشمس أو عند مغيبها. والشخص الذي يقوم بأداء هذا الطقس صاحب البقرة الذي يقوم بإحضار المبخرة الحاوية على بعض الجمرات المتقدة يضع عليها ثلاثة أعواد من البخور بعد ما ينفث عليها ثلاث مرات ويبدأ بعد تصاعد الدخان الطواف حول رأس الحيوان مردداً تعويذة مقفاة موجهة للحيوان المحسود على النحو الاتي: انظري إلى هذا إنه قربانك.. البخور والنار.. نعوذ بالله من عين إبليس الشريرة من عين الحاسد إذا حسد، من كل عين لامة، من عين القريب، ومن عين البعيد، شفاك الله إن كان ذلك بسببي أو بسبب الآخرين، وأعاذك من كل روح شريرة من الجنة والناس، أنا إنسان أتقدم بكفارتي اتقاء العين الشريرة عين الرجل وعين المرأة.. انظري إلى قربانك هذا البخور والنار. وأضاف: أرخى رفاقه الآن قبضاتهم عن الحيوان الذي قفز إلى الأمام وهو يهز ذيله بمرح بعد خروجه من هذه التجربة التي لم تكن بلا شك أسوأ من سابقاتها لينضم إلى أقرانه في القطيع الذي كان قد عبر الوادي. لحظتها سأل رجل آخر من أهل السهول: أليس لديكم أنتم مثل هذه الممارسات؟ فكان الرد الورع لهذا الرجل بعينين محدقتين نحو الأعلى: "التوكل على الله" - ولكن بعد كيّ إحدى النوق من أجل شفائها من العرج مثلاً نعمد أحيانا إلى كسر عود بخور ورميه وراءها ونحن نردد ( انكسر العود والشر ما يعود ) في صباح اليوم التالي ذهب توماس ليشهد عملية نفخ مهبلي وهو تقليد شائع بين بعض أبناء هذه القبائل يهدف إلى تحفيز ادرار الحليب.. تقف البهيمة وقائمتاها الخلفيتان مثبتتان بقوة بينما يعمد أحد الصبية إلى إغرائها ومشاغلتها بالطعام بشكل متواصل لتهدئتها ويأخذ صاحب الحيوان نفساً عميقاً لإتمام العملية مع حفاظه على بقاء الهواء ويكرر العملية ماسحاً بيده من فوق الضرع ليعرف مدى الاستجابة. وقيل له أيضا بأن هذه العملية تجرى أحيانا من قبل ممارس خبير وفمه مليء بالملح.