هناك عوامل أساسية لا بد من توفرها غالباً لإنجاح المقابلات المهمة التى تجرى مع كبار الشخصيات من أبرزها حصر موضوع المقابلة في الموضوع الذي يجيد الضيف الحديث فيه فقد لا تنجح المقابلات مع كبار السياسيين عندما يتشعب الحديث معهم فيتجاوز السياسة إلى الاقتصاد أو الاجتماع أو غير ذلك وقد لا تنجح المقابلات مع الاقتصاديين عندما تكون السياسة من مواضيع الحوار. والعامل الثاني لنجاح مثل تلك المقابلات وجود التكافؤ في الحوار، أي يكون المحاور هو الآخر ملماً بالموضوع فيجعل سؤاله الأول لأي جزئية من جزئيات الحوار مجرد مدخل يعبر منه من خلال إجابات الضيف إلى التفاصيل الكثيرة بطرح أسئلة عديدة مستوحاة من الإجابات وأضعف المقابلات هي تلك التي يسرد فيها المحاور أسئلته المعدة سلفاً سؤالاً بعد سؤال، وفي كل مرة ينتظر الضيف ليكمل الإجابة ثم يطرح عليه السؤال الآخر وهكذا حتى نهاية الأسئلة ونهاية المقابلة. مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع داود الشريان قد تبدو لأول وهلة أنها افتقرت للعاملين كليهما، لكن هذا غير صحيح بالنسبة للعامل الأول، فلا شك أن موضوعات المقابلة كانت متشعبة تطرقت للسياسة والاقتصاد وأمور أخرى، لكن سمو الأمير محمد كما بدا في المقابلة أحسن الحديث في الموضوعات المطروحة التي لا شك أن بعضها خاضع لوجهات النظر.. كان حاضر البديهة يملك المعلومة والحجة القوية ويسيطر على الموضوع الكبير بعبارات قليلة مركزة وسريعة ويسترسل حيناً إذا تطلب الأمر ذلك، ويبدو من خلال أحاديثه مقنعاً ودؤوباً ومتفرغاً لمهامه الجسام، ولذا أعتبره قد قدم نفسه للمشاهد بنجاح. ولكن بقي العامل الثاني الذي هو الآخر مهم لنجاح المقابلة وهو التكافؤ في الحوار، ولا شك أن الأخ داود متمرس في فن المقابلات وصاحب خبرة طويلة وقد كان مكافئاً في بعض أجزاء حواره، لكنه بدا لي في أجزاء كثيرة منه يعتبر سؤاله هو نهاية المطاف وليس مجرد بداية لطرح أسئلة عديدة في الموضوع نفسه، ربما تكون هي الأكثر أهمية يستنبطها من إجابات الأمير.. وقد نجد العذر لداود في كثرة الأسئلة المهمة وتحديد الوقت وقد تكون الإحاطة بتفاصيل الموضوعات المطروحة وبعض الاعتبارات الأخرى لها دور في ذلك، لكن من المؤكد أنه كان هناك فرصة كبيرة للدخول مع الأمير في تفاصيل مهمة ومفيدة تثري المقابلة وتزيد من حرارتها وفوائدها، خاصة موضوع البطالة والقطاع الخاص، وأهداف برنامج التحول، وبعض الأمور الأخرى التي بدت تحتاج لمزيد من إيضاحات سمو الأمير. لقد كانت على أي حال مقابلة ناجحة، وكان من الممكن أن تكون أكثر نجاحاً لو تميز فيها تكافؤ الحوار، وأظنها تجربة جيدة مفيدة للوطن ولسموه تشجع على المزيد منها في المستقبل.