القدرة على التعبير، وهي مقدرة تعليمية وتربوية، كانت تشكل عقدة اجتماعية إلى وقت قريب أعتقد أن الكثير من أبناء الجيل الجديد تخلص منها وسيكون لها تأثير عميق في المستقبل.. في الآونة الأخيرة صرت اتساءل بشكل دائم حول القيم الجديدة التي يمكن أن تحدثها هذه الثورة في الفنون والأدب والتفاعل الاجتماعي الثقافي على القيم المجتمعية بشكل عام، وكيف سيكون شكل مجتمعنا في المستقبل القريب. أنها حركة باتجاه واحد، أي أنها حركة باتجاه التغير في تكوين المجتمع على مستوى الشكل والمضمون. الأسبوع الفائت شاركت في أيام الشارقة الثقافية، وقدمت محاضرة حول "أزمة التراث" وعلاقة هذه الأزمة بسكون الحالة الجمالية والفنية التي عانت منها مجتمعاتنا التي أطرت الصورة في تكوين نمطي متكرر وممل. الفن، حسب المفكر زكي نجيب محمود، هو "أن ينظر الإنسان إلى الوجود الخارجي نظرة ذاتية مباشرة، كأنما هذا الوجود خطرة من خطرات نفسه، أو نبضه من نبضات قلبه، وتلك هي نظرة الروحاني ونظرة الشاعر ونظرة الفنان، وهي نظرة تتم على خطوة واحدة، بخلاف العلم النظري الذي تتم نظراته إلى العالم على خطوتين: ففي الأولى يتلقاه كما تنطبع به الحواس انطباعا مباشرا، وفي الثانية يستخلص معطياته الحسية نظريات وقوانين يصور بها مجرى الظواهر والأحداث". الجمع بين إحساس الفنان وصرامة المنظر والباحث في نظرتنا للمجتمع، وهذا في حد ذاته يتطلب منا بعض الاسهاب في التعبير عن الإحساس المباشر بالشكل قبل تفسيره بشكل عقلاني يتلاءم مع النظام الداخلي الموجود في الأشكال، كما يقرر ذلك زكي محمود الذي يؤكد "أن جمال الشيء الجميل قوامه دائما نظام داخلي في الشيء تتسق به أجزاؤه وعناصره". والحقيقة أن القدرة على التعبير، وهي مقدرة تعليمية وتربوية، كانت تشكل عقدة اجتماعية إلى وقت قريب أعتقد أن الكثير من أبناء الجيل الجديد تخلص منها وسيكون لها تأثير عميق في المستقبل. لعل البداية تكمن في فهمنا للبعد الثقافي/الإثنوغرافي للعمارة التراثية سواء على مستوى النسيج الذي يحول اللامعنى، الذي يعتقده البعض، إلى معانٍ وقيم وأنماط حياة تتمظهر في التشكيل البصري والفراغي الذي نشأت عليها مدننا التاريخية وقد لاحظت هذا الحماس لفهم هذه العناصر الكامنة في الشارقة حيث قابلت الدكتور أحمد مرسي وهو أحد خبراء الفن الشعبي في مصر وقال لي إنني قبل ثلاثة عقود وضعت مادة دراسية حول "العمارة والفن الشعبي"، والحقيقة أن الفكرة أثارت لدي بعض الاهتمام، فالفن الشعبي يشكل عمق المعاني التي يمكن أن تولد أشكالاً وأفكاراً بصرية جديدة. ما نشاهده في تلك البلدات والقرى هو انعكاس ثقافي واضح تشكل محليا، وتطور ليدمج "المادة" و "الإحساس" معا في مكون عمراني واحد يصعب استيعابه من خلال الشواهد المعمارية القائمة اليوم التي خلت من سكانها ومن روحها واحساسها، فنحن هنا نتعامل مع جانب واحد فقط للعمارة ونهمل الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية. إننا نتحدث بشكل مباشر عن الثقافة ودورها في صنع العمارة، كون "التراث الموازي" الذي يفترض أن يشكل شخصيتنا العمرانية المستقبلية هو منتج ثقافي بالدرجة الاولى ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على المنتج المادي. كيف تؤثر الأشكال على المشاعر والأحاسيس؟ وهذه القضية تمثل حالة نقدية وجدانية لها خصوصيتها، وكما يؤكد زكي محمود "أن نقل الخبرة الوجدانية بذاتها من صاحبها إلى غيره ممن لم يكابدها، ولم يكابد شبيها لها أمر محال". فالاشكال التي تثير المشاعر وتحرك الوجدان يجب أن تكون ضمن الخبرة السابقة لدى المشاهد، أو أن تكون مشابهة لأشكال مترسبة في ذاكرة المشاهد، ويستحيل على الأشكال أن تنقل الشعور كما هو ولكن ممكن أن تعبر عنها بشكل مجرد. بقي أن أقول إن البعض انزعج من مصطلح "العمارة الداعشية" الذي أثرته في المقال السابق، وقد صادف المقال مشاركتي في ايام الشارقة، فتأكد لي أن فهم هذا المصطلح يحتاج إلى فهم كيف أن البعض يجرد الصورة من جمالها لقناعات يلبسها لباسا مقدسا وهي لا علاقة لها بالقداسة.