مر على الجماعة حالة من التحولات المنهجية والتكتيكية والانشقاقات والتناقضات والصراعات الفكرية وقد أعادت الجماعة النظر في أطروحاتها العقائدية والفكرية والسياسية والاجتماعية ما عرف بالنقد والنقد الذاتي.. تأسست البنية الفكرية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين على مجموعة من الأفكار والأصول التي وضعها زعيم الجماعة حسن البنا والتي كانت تتمثّل في التغيير السلمي المتدرج عن طريق اللا عنف ثم جاء بعده سيد قطب الذي أعاد النظر في تلك الأفكار والأصول الدعوية، وقد بدا له أن ما كان ينادي به البنا في عدم استخدام العنف إذا اقتضى الأمر ليس هو الصواب وأشياء أخرى لم تكن مقنعة له أمام هذا الواقع وعند هذا التطور دخل التنظيم في حالة ما يعرف بالإسلام السياسي على الرغم من تأكيدات البنا بأن الجماعة ليست حزباً سياسياً إلا أنها تداخلت مع السياسة فأصبح خطاب الجماعة ذا نزعة سياسية وظف في التعبئة الاجتماعية فقضى على فكرة التغيير السلمي المتدرج وأحال الجماعة إلى إديولوجيا سياسية أصبحت على حد تعبير د. برهان غليون جماعة سياسية للصراع الاجتماعي على السلطة. في إطار العرض الموضوعي للتأسيس والأفكار يأتي الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين كأحد أحد المحاور المهمة التي لا يمكن النظر إليها من خلال الزاوية الدعوية وحدها، ذلك أن البعد السياسي هو أهم ما يؤثّر في واقع الجماعة، إذ لم يكن البنا داعية تقليدياً وإنما كان مفكراً وناشطاً وشخصية فاعلة قام ببلورة مفهوم الإسلام السياسي على مبدأ التقية السياسية، والمتتبع لخطواته الفكرية والتنظيمية يجد أنه كان بارعاً في العمل السياسي المغلف بالطابع الديني وكانت الحصيلة النهائية أن البنا أنتج فكراً سياسياً، فيما أنتج قطب بياناً سياسياً تتشكل مفاصلة في كتابه "معالم في الطريق" الذي أثر في تركيز فكرة الجماعة على أن المجتمع الإسلامي يقوم على أفكار وضعية، وكان قطب يسعى إلى تقويضه وإحلال بديل عنه. وكما حدثت التناقضات في الفكرة المركزية تعددت التوجهات تجاه طبيعة الجماعة، فالبعض يرى أنها جماعة دعوية إصلاحية والبعض الآخر يرى أنها حزب سياسي يُسخّر الدين لأهدافه ومصالحه أو جماعة سياسية تنتهز الفرص لتحقيق أهدافها ولذلك كانت الجماعة مستعدة للتحالف مع أي كان إذا كان هذا الأحد يحقق أهدافها فقد كانت مسارات ومناهج التكوين والتربية تقوم صراحة على أن الجماعة تتحرك وكأنها هي الإسلام رغم كونها جهداً بشرياً وصيغة من صيغ إحياء الدين وتجديده وإن كان يكتنفها قدر كبير من الغموض بسبب التقية السياسية. وقد مر على الجماعة حالة من التحولات المنهجية والتكتيكية والانشقاقات والتناقضات والصراعات الفكرية وقد أعادت الجماعة النظر في أطروحاتها العقائدية والفكرية والسياسية والاجتماعية ما عرف بالنقد والنقد الذاتي إلا أن مواقع الضعف لدى الجماعة كانت تتركز في عجز احتواء تناقضاتها وقت الأزمات وقد أدى ذلك إلى تكريس حالة الانقسام داخل الجماعة بين تياري العنف واللاعنف، وبهذه المنهجية السياسية، الإصلاحي والعنيف، عبرت الجماعة الى العالم العربي فيما يعرف بالتنظيم الدولي. لم يبدأ ميلاد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عام 1982 م كما يؤكد مؤرخو الحركات والجماعات الإسلامية وإنما البداية الفعلية للتنظيم كانت قبل ذلك بأكثر من نصف قرن وقد كانت كل خيوط التنظيم الدولي تبدأ وتنتهي عند الرجل الحديدي مصطفى مشهور المرشد الخامس إذ اضطلع بالدور الأكبر، وإن كان التنظيم الدولي يفتقر إلى مركزية القرار الموحد، وهذا ما دفع بعض الباحثين بوصفه بأنه في الحقيقة تحالف ضعيف نادراً ما كان يستطيع جمع شمل أعضائه، ورغم ذلك تعترف معظم التنظيمات ذات الأفكار الإخوانية بأنها على علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان لكن خلافات كثيرة وانقسامات عدة حصلت وتحصل بين المركز والفروع وقد برزت انشقاقات في هذا الإطار وتباينات في وجهات النظر حول بعض القضايا المهمة. وهذا ما نراه واضحاً في الخلافات والانشقاقات التي تمت في السودان والعراق واليمن وسوريا والأردن ودول الخليج العربي وكان أول الخارجين على التنظيم الدولي فرع الجماعة في السودان حين أكد على أنه لا يمكن للجماعة أن تدير العالم من القاهرة، وطبيعي أن تكون هناك مسائل وقضايا كبرى تختلف فيها هذه التنظيمات في نظرتها إزاء وجهة النظر المركزية بينما يمثل الموقف من العنف والإرهاب بين الطرفين قضية محورية وحساسة خصوصاً في فلسطين والجزائر والسودان، وكذلك الموقف من إيران في إطار الدور والمشروع الإيراني ككل. والواقع أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين هو تنظيم عضوي مركزي يحكمة تشريعياً مجلس الشورى العام الذي يمثّل نوعاً من مؤتمر عالمي ومكتب الإرشاد الذي يمثل نوعاً من مكتب سياسي لكافة التنظيمات المنضوية في إطار التنظيم العالمي. وفي هذه المسألة يذهب الباحث قاسم قصير إلى القول بأن المصادر القيادية الإخوانية تقول بأن التنظيم الدولي يشكل الإطار القيادي لحركة الإخوان المسلمين في العالم ويتولى مكتب الإرشاد العام تنظيم العلاقة بين كافة الأقطار، ودرجت العادة على اختيار المرشد العام من مصر لأن الوزن التنظيمي للحركة في مصر والآخر في الخارج من أجل الإشراف على اجتماعات مكتب الإرشاد. من جهة أخرى يذهب الباحثان محمد صلاح العزب وأحمد عليبة في بحثهم في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين إلى القول بأن قضية التنظيم الدولي هي إحدى التحديات التي تفرض نفسها على جماعة الإخوان المسلمين والجدل الدائر حوله داخل صفوف الجماعة، بين مؤيد لبقائه وتفعيله وبين من يرى أنه ولد ميتاً ولا فائدة من استمراره وأنه نشأ نتيجة طبيعة لنشاط أفراد الجماعة في المهجر وقد استطاع ناشطوها في المهجر التعبير عن وجودهم وتنشيط دورهم عبر استغلالهم مناخ الحرية الموجودة في الغرب حتى كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م التي أكدت تحول الصراع نحو العالم والغرب لا فقط ضد الأنظمة القطرية مما ضاق معه هذا المدى الجغرافي إلى حد ما. ويخلص الباحثان إلى أنه على الرغم من ضرورة التنظيم الدولي اللوجستية للجماعة الأم وبعض مثيلاتها من التنظيمات إلا أن المعضلات التنظيمية الداخلية داخل هذه التنظيمات وداخل التنظيم الدولي عامة، وكذلك اختلاف السياق الدولي والإقليمي لا شك ستنتهي به في النهاية إلى منطقة التنسيق الدولي الذي قد يصل إلى أدنى درجاته ليس أكثر دون أن يمثّل امتداداً فعالاً ومؤثراً إيجابياً في مسار هذه التنظيمات وقد تعرضت تنظيمات الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية إلى انشقاقات وخلافات كبيرة أسهمت في تشظيها وإضعافها، في سوريا والسودان مثلاً، دون أن يستطيع التنظيم الأم ضبط الأوضاع بين المنشقين إضافة إلى خلافات أخرى بين الإخوان المصريين والإخوانيين الآخرين في الأقطار الأخرى ما أفقدهم إلزامية القرارات وبالتالي تنفيذها، وكثيراً ما تمردت تنظيمات إخوانية عربية على الحركة الأم ورفضت حتى مناقشة بعض مذكراتها كتلك التي تحدد مثلاً أبرز المسائل التي تختلف فيها مفاهيم الإخوان، وهي مفهوم الإخوان للعلاقة ما بين المسلمين وغيرهم على المستويات الدولية والوطنية والاختيار بين الدعوة السلمية واللجوء إلى العنف وبين السرية والعلنية ومفهوم الشورى في الحركة الإسلامية وفي نظام الحكم الإسلامي. إلا أن أحداثاً مهمة قد أدت دورها في إضعاف التنظيم الدولي للإخوان حيث شهد التنظيم بسبب اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1990 خلافاً فقهياً وسياسياً بين أعضائه، تفاقم إلى إعلان تنظيم إخوان الكويت انفصاله عن الجماعة في أول انشقاق يطال جسم التنظيم الدولي، حيث أخذ هذا التنظيم بعذ ذلك في الضعف والتآكل وقد دفعت أسباب داخلية وخارجية بتنظيمات اليمن والأردن والسودان إلى الابتعاد عن مركز القيادة تبعها راشد الغنوشي في تونس وفتحي يكن وفيصل مولوي في لبنان وكمال الهلباوي واليوم تشظى التنظيم الدولي وأصبح مجرد مشروعات فردية.