يعد محمد الطويل أحد مشاهير رجالات الحجاز في القرن الهجري المنصرم، تقلّد في عهد الشريف حسين بن علي وكذلك في عهد الملك عبد العزيز عدة مناصب ومواقع خدمية وقيادية، وقد عرف علاوة على مناصبه التي تقلدها بأنه رجل منفتح مع عامة الناس يؤثر أعمال الخير ويقدم سبل الإحسان ويسعى لإنهاء معاملات ومطالب الناس، ويحرص على إصلاح ذات البين، وحل المشاكل الدائرة بينهم، ولذا فقد كان محل ثقة من قبل العامة والخاصة يثقون بحكمته وحلوله الناجعة لمشاكلهم وقضاياهم الاجتماعية. وقد سخّر الطويل وجاهته وماله ووقته في سبيل هذه القيم النبيلة، وبعد أن ضم الملك عبدالعزيز منطقة الحجاز سافر الطويل إلى مصر، ما زاد من إعجاب المؤسس بشخصيته ووفاءه، فاحتواه الملك عبدالعزيز ضمن النخب التي عادت إلى وطنها وساهمت في بناء الدولة الحديثة، وكان -رحمه الله - محل تقدير وثقة الملك، بل لقد أوكل له الملك مهام مفصلية في بناء ركائز ومقومات المملكة حديثة التوحيد والنشأة، وذلك من خلال توليه لإدارة جمارك وماليات الإحساء والقطيف، ولذا فقد قام - رحمه الله - بتأسيس الجمارك، ووضع اللائحة المالية لها، كما اختاره الملك ضمن مجلس المستشارين، (مجلس الربع)، واستقر به الأمر في مدينة جده، مشرعا بيته العامر لاستقبال الضيوف والزائرين، وأصحاب الحاجات من الضعفاء والأرامل وعامة الناس. وكان منزله مقراً لاستقبال الناس الذين يتوافدون عليه للوساطة والشفاعة، حيث كان يحمل هموم الآخرين وطلباتهم وأغلبها ما يتعلق بالعفو عن المساجين وإطلاق سراحهم، وكذلك الإعفاء من الغرامات وغيرها.مكانته لدى الأشراف ولد الشيخ محمد الطويل أواخر القرن الرابع عشر الهجري، ولم يحدد المؤرخون تاريخ ميلاده، ويصفه معاصروه وعلى رأسهم المؤرخ محمد بن علي المغربي -رحمه الله- بأنه قصير القامة، أشقر الوجه، أزرق العينين، أنيق الملبس يرتدي الجبة والعمامة الحجازية، ثم تحول إلى العباءة والعقال وهو أحد الزعمات الحجازية، وأبرز رجالات الشريف حسين بن علي -رحمهما الله- عندما قام بالثورة على حكومة الاتحاد والترقي، وعمل الشيخ محمد الطويل في فترة شبابه موظفا بدائرة الجمارك بجدة، حيث كان ناظرا لعموم الرسوم في المدينة، وكانت مصادر الدخل في الدولة الهاشمية تعتمد على الرسوم والضرائب، إضافة إلى ذلك فقد تولى تمويل الحكومة بما تحتاجه من أرزاق ومستلزمات. وكان منزله -رحمه الله- مقراً لاستقبال الناس، يتوافدون عليه للوساطة والشفاعة لدى الشريف حسين بن علي، عندما يلتقي به في مقر الحكومة بمكةالمكرمة، حيث كان يتوجه إلى هناك حاملا معه هموم الآخرين وطلباتهم وأغلبها ما يتعلق بالعفو عن المساجين وإطلاق سراحهم، وكذلك الإعفاء من الغرامات، وعلى الرغم من المشاغل والأعباء التي كانت تواجه الشريف حسين -رحمه الله- لاسيما في تلك الفترة، إلا أن الشريف كان مطمئناً لتواجد الشيخ محمد الطويل لأنه كان يقابله بين الفينة والأخرى لقضاء حوائج الناس، ويذكر المؤرخون أنه قال للشريف الحسين (إن ما حباني به جلالتكم من عطفه، وما شرفني به من خدمته جعلني مقصد للناس، ومحل حسن ظنهم وإني أقدم لجلالتكم ما قدم به علي الناس من مطالب فإن رأيتم أن تكرموني بالعفو عنهم، فليس هم بكثير على جلالتكم) فاستجاب الشريف لطلب الشيخ محمد الطويل فأطلق المسجونين وعفى عن الغارمين، ويذكر أنه وأثناء التحولات التي شهدتها المنطقة في أربعينيات القرن الهجري المنصرم نزح الكثير من أهل مكة إلى جدة، فأحسن الشيخ محمد الطويل ضيافتهم وإكرامهم في ضاحية الرغامة، واستنهض همم الرجال لاستقبالهم ومساعدتهم، خصوصا وأن هناك الكثير منهم لا يعرف أحدا بجدة، فقاموا بتزويدهم بالمؤن والملابس والأغطية والسكن. نشاط سياسي عرف الشيخ محمد الطويل أنه أحد أبرز قيادات الحزب الوطني الحجازي السياسي الذي تأسس في مدينة جدة عام 1924ه، إبان تسليم الشريف حسين ابنه علي مقاليد الأمر في الحجاز وجاء ذلك وسط ضروف تشهدها المنطقة ونتيجة لمقترح تقدم به عدد من أعيان الحجاز الذين تشكل منهم هذا الحزب الذي كان الشيخ محمد الطويل أحد أبرز قياداته، كما كان السيد محمد طاهر الدباغ سكرتيراً عاماً للحزب، وقاسم زينل خازناً، وعضوية عبد الله رضا، صالح شطا، عبد الرؤوف الصبان، الشريف شرف بن راجح، سليمان القابل، محمد نصيف، محمد صالح نصيف، محمود شلهوب، ماجد كردي وكانت مبادئ الحزب الوطني الحجازي، تتوافق مع مبادئ المؤسس، من حيث توفير الأمن والسلام، ولذلك بعد أن آلت الأمور إلى الملك عبد العزيز، سلّم هؤلاء الأعيان حقائب وزارية وأوكل لهم إدارة عدد من المصالح والمؤسسات كل حسب تخصصه وخبراته السابقة وقد سبق أن ترجمنا في هذه الصفحة لعدد من هؤلاء الرواد الذين ساهموا في بناء ووحدة البلاد. لقاء الملك عبدالعزيز حين استقرت الأمور في الحجاز للملك عبدالعزيز، ظل الشيخ محمد الطويل وفيّا لحكومة الشريف، لذا فقد هاجر وعدد من أعيان الحزب السابق إلى الخارج، وقد استقر الشيخ محمد الطويل وعائلته في مصر مروراً بالسودان، وبعد مبادرة الملك عبدالعزيز الشهيرة ودعوته لمعارضيه بالعودة لبلادهم وديارهم آمنين مطمئنين، مع إتاحة المجال الواسع لهم للعمل جميعاً في تطوير وبناء المملكة الناشئة، عاد هؤلاء المعارضين بمختلف مرجعياتهم ورؤاهم للمملكة والتقوا بالملك عبدالعزيز كالسيد عبدالحميد الخطيب من الحجاز ورشيد بن ليلى من حائل وعدد من المشايخ ورجال السياسة من مختلف أقاليم المملكة، الذين عادوا وتسلموا مهام جديدة وكان من بينهم الشيخ محمد الطويل الذي ما أن عاد إلى بلاده إلا وذهب للسلام على الملك برفقة مجموعة من الشخصيات المؤثرة، ويذكر بعض أحفاد الشيخ الطويل أنه سمع من جده شخصيا أثناء لقاءه الأول بالمؤسس، أن الملك داعبه وقال له (أنت قصير القامة واسمك الطويل وأعمالك أطول منك) حيث كان الشيخ الطويل -رحمه الله- قصير القامة، بعكس الملك عبد العزيز- رحمهما الله، فضحك الطويل من هذه الدعابة، ورد على الملك قائلا: (إن اخلاصي الذي بذلته للأشراف عند حكمهم للحجاز، سوف يمتد من قبلي الى جلالتكم شخصيا وإلى مملكتكم الفتية وأسرتكم الكريمة)، فقربه الملك ودعاه لحضور مجلسه بشكل يومي، ثم استأذن الملك واستقر به الأمر في بلدة جدة، وأثناء ذلك قام مجموعة من أصدقائه التجار بتأسيس شركة للسيارات سميت ب(شركة القناعة للسيارات) وتم تعيين الشيخ محمد الطويل رئيسا لها، ويرى البعض أن عودة الشيخ محمد الطويل كانت متزامنة مع دخول السيارات للحجاز، والحقيقة أن دخول السيارة للحجاز سبق هذا التاريخ بقرابة عقدين من الزمان لكن رواج وانتشار السيارات كوسيلة نقل مهمة ربما وافق عودة الشيخ محمد الطويل. جمارك الأحساء عاد الشيخ محمد الطويل مع الملك عبدالعزيز إلى الرياض، لكنه لم يتأقلم مع أجوائها وربما مناخها، ولاحظ عليه الملك ذلك، فعرض عليه الذهاب إلى الأحساء، واختيارها سكنا له في حال رغبته، خصوصا وأن منطقة الإحساء تتمتع بأجواء ريفية لطيفة، وفعلاً سافر الشيخ محمد إلى الأحساء مودعا من قبل الملك، الذي أمر له بمنزل هناك في منطقة " الرفعه " بالأحساء، وبعض البساتين فيها وفي والقطيف، ولثقة الملك بالشيخ الخبير والمتمرس في الجمارك والاقتصاد، فقد أوكل إليه إدارة جمارك وماليات الإحساء، ومدينة القطيف، وكل ما يتعلق بالأمور المالية هناك لاسيما أن له خبرة في إدارة الجمارك إبان عهد الشريف حسين -رحمهما الله- وفعلاً قام الطويل بتأسيس إدارة الجمارك هناك ووضع اللائحة المالية لها وهو الاقتصادي الخبير، وقام بمهام عمله على أكمل وجه وكان -رحمه الله- يقضي فترة إجازته السنوية بين أهله وذويه بجده، وقد أمضى قرابة عشرين عاما بمنصبه، كان ملء السمع والبصر محظياً بعناية من الملك المؤسس ومن بعده الملك سعود الذي كان يحرص على زيارته في منزله تقديراً وتثميناً لدوره البنّاء في خارطة المجتمع والبلد، كما كان حظياً الملك فيصل والأمير سعود بن جلوي أمير الأحساء في ذلك الوقت، كما ساهم في شفاعات لعتق رقاب أناس كثيرين حكم عليهم بالقصاص بعد قبول ورضا أصحاب الدم، ويذكر أن الملك عبدالعزيز أوصى في أخذ رأي الشيخ محمد الطويل فيما يتعلق بوساطته لأهل الأحساء عموما، كما ذكر ذلك خضر محمد العلي، وكان الملك عبدالعزيز قد عين الشيخ محمد الطويل ضمن مجلس المستشارين، الذي كان يسمى مجلس الربع، ثم استأذن الملك بتأسيس شركة نجد للسيارات، وحصل على امتياز للشركة للنقل بين الحجاز ونجد، إلا أن الشركة لم تستمر طويلا بسبب ضعف الإمكانيات المالية والإدارية فتمت تصفيتها، وبعد حياة حافلة بالإنجازات الوطنية عاد الشيخ محمد إلى جدة واستقر بها شفيعاً ووجيهاً لكثير من الأهالي. ويذكر المؤرخ محمد بن علي مغربي –رحمه الله- أنه حينها تفرغ لخدمة الناس وقضاء حوائجهم، وقال أن بيته كان مشرعا وعامرا بالضيوف، وعموم الناس من ذوو الحاجات من الضعفاء والمحتاجين والأرامل، وأصحاب القضايا، وممن تعثرت معاملاتهم في الدوائر الحكومية، ويصفه بأنه كان يقود سيارته كل صباح لإنهاء معاملات الناس في جهات الدولة، كما كان بيته -رحمه الله- عبارة عن مقر لحل قضايا الناس، ومشاكل الطلاق وإصلاح ذات البين، وكان يستخدم وجاهته وماله الخاص لحل تلك المشاكل الاجتماعية. زواجه وأبناؤه كان الشيخ محمد الطويل قد تزوّج عدة مرات لكنه –رحمه الله- لم يرزق بأبناء من جميع زوجاته، بيد أنه وأثناء إقامته بالإحساء تزوج بابنة الشيخ محمد خضر العلي، فرزقه الله منها ابنه الوحيد يوسف بالإضافة إلى ابنتين، كما تقدم لخطبة أخت زوجته لابن أخيه علي الطويل، وقد فرح الشيخ محمد بابنه يوسف أيما فرح فحمد الله سبحانه وأقام حفلا استمر لعدة أيام في كل من الإحساء وجده، وكان للشيخ الخضر مصاهرة أخرى قبل مصاهرة الطويل، حيث تزوّج الوزير عبدالله السليمان وزير المالية آنذاك، وأخاه حمد السليمان من ابنتي الشيخ محمد الخضر العلي، ورزق الوزير عبدالله السليمان من زوجته هذه ابنه البكر محمد عبد الله السليمان، فيما أنجب أخوه حمد السليمان ابنه يوسف الحمد السليمان. وفاته بعد مشوار طويل مع العمل السياسي والاقتصادي والمشاريع الاستثمارية والأعمال الخيرية، وبعد أن تقدمت السنوات تلو السنوات استسلم الشيخ محمد الطويل لأمراض الشيخوخة والتقدم بالسن وفي النمسا وبتاريخ 27 ربيع الأول 1381 ه، وتوفي الوجيه محمد الطويل –رحمه الله- عن عمر قارب المائة عام، بعد صراع طويل مع المرض، فرثاه الملوك والعلماء والمسؤولين ورجال الصحافة والفكر والأدب وشيّعه محبوه وأحبابه حيث صلى عليه الجموع، ودفن في مدينة جدة بتاريخ 4 – ربيع ثاني 1381 ه رحمه الله رحمة واسعة. وضع المؤسس طيب الله ثراه ثقته في محمد الطويل وأوكل إليه عدداً من المهام في الأحساءوالقطيف محمد الطويل -رحمه الله- استقر الطويل في جدة وتفرغ لخدمة الناس وقضاء حوائجهم انتقل الطويل إلى الأحساء وتولى إدارة الجمارك والماليات إعداد - منصور العساف