من يتاح له التجول أو المرور في أحياء جنوب مدينة الرياض يشد انتباهه ويلفت نظره كثرة لوحات الإعلانات عن البيع المعلقة على أسوار العمائر والفلل. فلا يخلو شارع صغيراً كان أم كبيرا إلا وتجد على جانبه أو جانبيه فلة أو عدد من الفلل معروضة للبيع، مع أن غالبية هذه المساكن حديثة البناء لم يمض على إنشائها إلا فترة وجيزة! ومكتملة البنى التحتية مع توفر جميع الخدمات، وقد تكبد أصحابها المبالغ الكبيرة ومنهم من تحمل الديون من أجل البناء والتشييد، ويلاحظ بالفترة الأخيرة تزايد أعداد هذه المساكن، لعزم سكانها على النزوح للسكن شمال المدينة سواءً كان ذلك عن طريق الاستئجار أو التملك في أحياء قد لا تتوفر فيها كافة الخدمات والبنى التحتية. والذي يظهر ويتضح من الموضوع أن تصرف الناس على هذا النحو لم يأت من فراغ، بل له دوافعه ومبرراته التي من أبرزها تكتل أغلب أجهزة الدولة إن لم يكن جميعها من وزارات ومؤسسات وجامعات وخلافها من مقار شركات ومؤسسات القطاع الخاص في شمال المدينة، والذي نتج عنه اتجاه حركة السير للموظفين والطلاب وأصحاب الأعمال في الصباح الى جهة واحدة، وفي المساء وقت الانصراف إلى جهة واحدة أيضاً، فلنتصور وضع هؤلاء وهم يمتطون أعدادا هائلة من المركبات وما تسببه من زحام شديد وعرقلة بالمرور وهدر للأوقات، خاصة أن الشوارع الرابطة ما بين جنوبالمدينة وشمالها طرق محدودة العدد ولا تستوعب حركة السير المتزايدة إذ لم تحظ أحياء جنوبالرياض بنصيب من مشروعات الطرق والجسور الحديثة المنفذه في فترات الطفرات المتعاقبة مثل غيرها من الأحياء الأخرى، ولنضرب مثالاً حياً على شدة الزحام الذي يعاني منه الأهالي بوضع الجسر المعلق الذي يضطر الغالبية للمرور عبره لشح البدائل المناسبة، حيث يشكل عقبة كأداء أمام حركة المرور بأوقات الذروة لعدم قدرته على إتاحة عبور الكم الهائل من السيارات والتي يمتد طول توقفها عليه لأكثر من خمسة كيلومترات في الاتجاهين صباحاً ومساء حيث إن وضعه الحالي يشكل حاجزاً ومضيقاً يخنق حركة المرور من أمامه ومن خلفه إذ تتحول الحركة فيه إلى ثلاث مسارات بدلاً من أربعة - سعة الطريق الدائري - شمالاً وجنوباً، مما يستدعي الاهتمام والمبادرة بإيجاد حل جذري وعاجل لهذا الجسر المعضلة. وفي سبيل العمل على تخفيف حركة الزحام ما بين جنوبالرياض وشماله فإن الضرورة القصوى تستلزم العمل ايضا على ربط الشوارع الرئيسية بحي جنوبالرياض وإيصالها بما يقابلها من شوارع رئيسية بشمال المدينة مما يساهم في التيسير على الناس تنقلاتهم بين أجزاء المدينة الواحدة. كما ينبغي سرعة إنجاز وتنفيذ مراكز الأحياء المزمع انشاؤها للتسهيل على المواطنين مراجعتهم لأجهزة الدولة المختلفة. وإضافة إلى ذلك فإن أحياء جنوبالرياض تحتاج للفتة سريعة واهتمام كبير من قبل المسؤولين كل فيما يخصه نحو تحسين وضع وبيئة أحياء جنوبالرياض وإزالة كل العوائق والعقبات المكدرة لصفو الحياة مثل سرعة إبعاد مصنع الأسمنت ونقل أسواق الأغنام والمسالخ ومواقع النشاط الصناعي ومصانع الأحجار ومحطات الصرف الصحي إلى خارج المدينة حيث أنها تشكل إزعاجاً للسكان وتلويثاً للبيئة والهواء وأضراراً بالصحة العامة، مما ساهم في نزوح السكان عن هذه الأحياء. ولا شك أن المسارعة إلى حل كافة المشكلات المذكورة كفيل بتهيئة الأجواء من أجل استقرار الناس في أحيائهم ومساكنهم التي خسروا أموالهم وجهودهم من أجل انشائها بدلاً من اضطرارهم لعرضها للبيع بأقل الأثمان وأبخسها، وفي حال ترك الوضع على ما هو عليه فسوف ينتج عنه مشاكل وعقبات لا حصر لها، ومنها تكتل السكان في جهة واحدة من المدينة وما يجره ذلك من ازدحام بالسكن والطرقات وامتداد عشوائي في جهة واحدة وارتفاع كبير في قيمة الأراضي إضافة إلى ما يتطلبه الأمر من نشوء أحياء جديدة تتطلب جهوداً كبيرة ومبالغ هائلة من قبل الدولة لأجل تهيئة البنى التحتية والمرافق العامة وإيصال كافة الخدمات، لخدمة أحياء جديدة والذي سيكلف الدولة أضعاف أضعاف ما يتطلبه إصلاح الوضع الحالي لأحياء جنوبالرياض، بل ليس هناك أدنى مقارنة في التكاليف.