الخشوع في الصلاة يبدأ من الفاتحة، ولذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم بأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، إذن فأنت تمسك بيدك الآن المفتاح الصحيح، حاول أن تتمكن من سورة الفاتحة واجعلها هي همك الأول الذي تتدرب عليه لمدة أشهر، نعم ربما تتزاحم عليك المعاني ويطيش منك الفهم لذلك أنت في حاجة إلى تقسيم السورة إلى أجزاء، فتركز على فهم كل جزء لوحده حتى تتقنه. ولأنها سبع آيات مباركات، فإن تقسيمها هو ثلاث آيات ثم آية واحدة ثم الآيات الثلاث الأخيرة، ولكن السر المهم هنا يبدأ بوسط القلادة، فتتفهم معنى (إياك نعبد وإياك نستعين)، فهذه خلاصة الخلاصة لفهم الإسلام والعبادة والتوحيد لله وحده والتي لا تتحقق إلا بعون من الله وتوفيقه، فكم من عابد متنسك ضاع عمله وخاب مسعاه لأنه صرف العبادة لغير من يستحقها، فجانبه التوفيق للعمل الصحيح وجانبته الإعانة من الله، هذا المعنى المكثف جدا لو لم يخرج الإنسان من صلاته إلا وهو يستشعره ويفهمه لكفى به مدة أسبوع أو شهر. تبقى الآيات الثلاث الأول فهي بمثابة طرقات للاستئذان على باب الدعاء، والاستئذان ثلاثا، والسميع المجيب سبحانه يسمعك من الاستئذان الأول ولكنه سبحانه حميد يحب المدح والثناء، ولذلك عندما تحمده على كرمه معك ورحمته بك في الأولى، ثم تثني بإعادة الثناء على رحمته بك، ثم في الثالثة تمجد من بيده أمر الآخرة قبل الدنيا، فحينها ستفتح لك أبواب السماء.. لتنطق بجوهر السورة وقلبها فتقول (لن أصرف العبادة إلا لك ولن يكون ذلك مني إلا بأن تكرمني بالعون والمساعدة منك).. حينها سيجيبك المولى سبحانه بأن هذا الذي قلته بيني وبينك فالعبادة منك لي وأنا مني العون لك، فانظر إلى حظك العظيم إن كنت تفهم على اليقين بماذا التزمت لله وبماذا وعدك الله، يكفيك هذا الفهم لمدة أسبوع أو شهر. ثم يبقى ختام السورة المباركة لتتفهمه والذي هو في الحقيقة شرح للآية الوسطى، حيث إن من أراد أن يعبد الله فلا بد له أن يصل إليه بالطريق المستقيم والذي هو أقصر الطرق وأصحها، فالطريق هو العلم مقرونا بالعمل، لأن بقية الطرق لا توصل، فلا ينفع علم من لم يعمل بعلمه، ولا ينفع جهل الضالين، كلمات مختصرات ومعان مكثفة عميقة تزداد مع الوقت رساخة وفهما، فقط قليل من الوقت وكثير من المجاهدة للنفس وستتفاجأ من رسوخ المعاني وتفهم الآيات وتودع الوسواس، فالفاتحة فاتحة خير، وعلى دروب الخير نلتقي.