كلما نظر إليها تكتب جدول اليوميات الجديدة للأبناء وتضع بنود المسموح والممنوع، وتوجه الخادمات بالأعمال التي يجب أن يقوموا بها في اليوم التالي، نظرت إليه بجدية وطلبت منه الاحتياجات التي يجب أن يوفرها للبيت والابناء، كلما نظر إلى صاحبة معالي المديرة التي أمامه أدرك بأن المرأة التي تسكن معه في البيت هي ذاتها مديرة الدائرة الحكومية التي تقود (50) موظفا وبأنه الموظف رقم (51) الذي لا يختلف عن البقية بشيء إلا بذلك الشريط من الذكريات الطويل الذي مر سريعا في حياته مع امرأة كانت تشبهها ولكنها ليست هي، اليوم زوجته اسمها معالي المديرة عواطف ولكنه يتوق كثيرا إلى المرأة عواطف تلك التي تزوج منها قبل 40 سنة، في تلك الفترات كانت عواطف خريجة جامعة تربوية وكانت سعيدة بطفلها الأول الذي تحمله بداخلها، مازال يذكر كيف كانت تبكي وتغضب حينما يطيل الغياب خارج البيت للعمل فتعاود تسخين طعام العشاء لمرات عديدة، مازال يذكر كيف كانت تحمر وجنتاها حينما يباغتها بزهور حمراء مربوطة بشريط في ذكرى زواجهما، مازال يذكر تلك الانثى التي طلبت منه يوما في ليلة ممطرة أن يخرجا إلى الشارع ليأكلا المثلجات بطيش دون أن تنتبه الى أن الساعة تشير إلى الواحدة ليلا بعد منتصف الليل. وقف خالد كثيراً خلف زوجته عواطف حتى تكبر وتنجح في وظيفتها التي كان الأساس منها مساعدته على تحسين دخله وتربية الأطفال بشكل أفضل، حتى تحول المنصب إلى حلم والحلم إلى تغيير كبير غير من شخصية عواطف التي أصبحت تقود موظفيها في العمل وحينما تعود إلى بيتها لا تنسى أن تكمل القيادة في بيتها بذات الجدية والحزم، ومع ذلك التوق الذي يسكن قلب خالد بات مؤكدا بأنه يوما ما سينسى اسمها وينادي عليها بصاحبة المعالي المديرة عواطف، فهل يمكن أن يغير المنصب المرأة وأن يسرق منها ملامحها الأنثوية؟ أم أن الإشكالية في رجل لم يعتد إلا على رؤية المرأة تنتظره في المنزل؟ أم أن صاحبة المعالي ترفض أن تتخلى عن أدوارها ومكانتها فتأخذ معها تلك السيطرة إلى بيت كان لا بد أن تكون ملكته وليست مديرته؟ المرأة وضغوط العمل أوضح د. محمد القحطاني – استاذ علم النفس – بأن هناك بعض الأسر والازواج يعانون من خلافات أسرية بسبب الاعمال التي تقوم بها المرأة سواء عمل إداري أو غيره، فبعض الرجال لا يفضل المرأة التي تتقلد منصبا كبيرا لعدة أسباب أهمها أن المرأة هنا تكون مشغولة وربما نقلت العمل معها إلى المنزل كما يمكن أن يؤثر عملها على تفكيرها ونفسيتها ومدى تعاملها مع زوجها وأبنائها، وبعض الرجال ينظر إلى المسألة بطريقة مختلفة فهناك من يرى بأن المنصب يحتاج إلى شخصية قيادية وقوية وحازمة وهذا قد يتعارض مع الانوثة مشيرا إلى أن بعض النساء ممن يتقلدن مناصب ويتأثرن بهذه المناصب قد تتولد لديهن سلوكيات غير متوافقة في المنزل مع أسرهن، كالمبالغة في السيطرة على الاخرين والسبب في ذلك الشعور بالنقص فتعوض ذلك الشعور بتعويض قهري وسلبي فتحاول أن تؤثر على الاخرين بشكل سلبي فتبدأ صراعاتها. وأضاف: ضغوط العمل التي تواجهها المرأة في مجال عملها أو المنصب قد تنتقل هذه الضغوط معها إلى المنزل سواء ضغوط ترتبط في علاقاتها مع الموظفين أو في الأهداف التي ترغب في تحقيقها أو خلافات في بيئة العمل فتلك الضغوطات قد تنتقل معها إلى حياتها الأسرية فتؤثر على علاقاتها الخاصة، مبينا بأن بعض النساء اللواتي تتقلد مناصب يتعلمن سلوكيات في بيئات العمل تنتقل معهن إلى الحياة الزوجية ومن الحياة الزوجية إلى الحياة الأسرية فتستخدم هنا الأمر والنهي والتوجيه والردع والإيقاف وهذه امور تعلمتها في وظيفتها، كما أن كثرة الممارسات الإدارية بشكل كبير قد تؤثر على شخصية المرأة فتصبح أكثر جدية وأكثر حزما وأكثر موضوعية وأكثر خشونة في التعامل مع المواقف فتؤثر على شخصيتها خصوصا إذا تراكم عليها عمل المناصب لأن الشخصية بشكل عام هي مجموعة لما يعيشه الفرد من خبرات في التعلم وخبرات في البيئة وخبرات مع الاسرة وخبرات في العمل ومع الوقت قد تتأثر شخصيتها. وأوضح د. القحطاني بأن مفهوم الذات لدى المرأة قد يتغير في فترة تقلدها للمنصب العالي لفترة طويلة فيصبح مفهوم الذات لديها مرتفعا بحكم كونها مديرة أو بمنصب عال فيتغير تفكيرها وفقا لمفهومها عن ذاتها وبالتالي يتغير سلوكها فتكون في بيئة العمل مديرة وحينما تعود إلى البيت تتعامل مع زوجها وابنائها كمديرة، مبيناً بأن بعض النساء يؤثر عليها المنصب بسبب الإفراط الكبير لمقدار الولاء الذي تحمله بداخلها للوظيفة فتتأثر حياتها النفسية والاسرية بهذا المنصب لذلك الحل يكمن في التدريب من خلال محاولة المرأة على التدرب على أن تفصل بين أسرتها ومنصبها وذلك من خلال معرفتها بالسلبيات التي يمكن أن تنقل إلى أسرتها، فالوعي نصف العلاج، فتكتب تلك السلبيات على ورقة وتضع خطة للتخلص من السلبيات مرة بعد مرة من خلال المراقبة الذاتية وسؤال الابناء وزوجها والخدم فبعد أن تجمع المعلومات ستتعرف على السلبيات التي ظهرت في شخصيتها بعد المنصب ثم تضع خطة للتغيير. شخصية نرجسية ترى مها قطان – أخصائية اجتماعية - بأن ممارسة المرأة لدورها القيادي في بيتها ومحاولتها لأن تكون زمام الأمور في يدها يأتي في المقام الاول من شخصية زوجها التي قد تكون مهزوزة أو يكون رجلا غير قادر على قيادة زوجته في البيت فتطغى شخصية المرأة التي هي أساسا تقوم بدور القيادة خارج بيتها إلا أن هناك حالات تختلف عن ذلك فهناك زوج قيادي وناجح في حياته العملية ويحب أن يدعم زوجته إلا أنه حينما يلاحظ محاولة زوجته أن تمارس دور القيادة الذي تمارسه في منصبها المهم خارج بيتها فأنه هنا يحاول أن يخرج عن ذلك الدور والمتمثل بالتابع ويتمرد على رغبتها في السيطرة، مشيرةً إلى أن هناك من النساء القياديات والقويات في حضورهن الوظيفي من تحاول أن تضم بيتها وزوجها وابنائها لذات الكينونة من منطلق ممتلكاتها التي تتحكم فيها كما هو منطق الوظيفة فتستبد ويعطيها المنصب شعور الرغبة في التحكم والسيطرة وهذا النوع من النساء تحتاج عادة إلى رجل قوي وقيادي في حياتها يستطيع ضبطها والسيطرة على رغباتها خاصة النساء اللواتي يبعدن عن الموضوعية ويرغبن بأن تتحقق مطالبهن دون جدال. وأوضحت قطان بأنه للأسف هناك سيدات لا يتقلدن منصبا ولسن قياديات ومع ذلك يحببن أن يمارسن دور السيطرة في محيط أسرتها ومع زوجها فقد تكون لديها بعض الامكانات كتوفر عنصر الجمال فيها فتتجه إلى محاولة البطش بزوجها لمجرد شعورها بالأهمية والتي تأتي من إطراء واعجاب الاخرين، مبينة بأن هناك من النساء من تحب ممارسة طقوس الاهمية ليس فقط في محيط اسرتها بل حتى في محيط علاقاتها وصداقاتها فعلى سبيل المثال حينما ترغب أن تلقي محاضرة في مكان وجه الدعوة إليها فأنه قبل حضورها بساعة تبعث مجموعتها وكأنها حاشية يقمن بترتيب الاوضاع لها ويستقبلنها عند الدخول وفي ذلك أيضا حب للظهور والسيطرة وممارسة الاهمية التي تأتي من المنصب ولذلك فإن المنصب لا يغير الانسان وليس هو ما يدفع المرء أن يتغير على أهله واسرته إنما الشخصية النرجسية والمؤهلة لمثل ذلك التغير تتجه إلى ذلك الطريق لأنه جزء من شخصيتها قبل مجيء المنصب. وأشارت قطان إلى أن هناك من الرجال من يرفض الزواج من امرأة قوية وقيادية وتتقلد منصبا كبيرا لأنه يشعر بأنه لن يكون في بيته مع امرأة كما يحب أن ينظر إليها بأنها صورة للوداعة والألفة واللين فتلك قد لا تكون لدى القيادية أحيانا إلا أن هناك في المقابل رجال تجذبهم جداً المرأة القيادية قوية الشخصية حتى في بيتها خاصة الرجل القيادي الذي هو أيضا له مهامه الكبيرة المهنية، ولذلك فإن درجة أنوثة المرأة لا تتعلق بكونها ذات منصب أو حتى وزيرة وأكبر مثال على ذلك هيلاري كلنتون وهي مثال المرأة الجذابة على الرغم أنها امرأة قيادية وسياسية فلا تتعارض قوة المرأة مع أنوثتها فذلك يعتمد على المرأة ومدى قدرتها على الفصل بين المرأة القوية التي بداخلها وبين الانثى الجميلة الوديعة مع زوجها وأسرتها، مبينةً بأن هناك من لا يتقلد منصبا حساسا كمديرة المدرسة إلا أنها تتعامل كما لو كانت وزيرة فربما لا تسمح لأم أحد الطالبات الدخول عليها حتى تأخذ موعدا قبلها بأيام وفي النهاية قد تقابلها وكيلتها فتمارس طقوس صاحبة المعالي دون وجود سبب في ذلك. نماذج ناجحة وترى د. نوال العتيبي – اخصائية اجتماعية – بأنه من الطبيعي أن تتأثر المرأة بطبيعة العمل التي تعمل فيها فذلك التأثير بسيط ولا يجب أن ينتزع من المرأة شخصيتها فهذا اعتقاد خاطئ لأن الرجل قد يتقلد مناصب كبيرة ولكنه بعد أن يعود إلى منزله فإنه يعود بشخصيته الطبيعية وإن وجد بعض التأثير، إلا أن المرأة التي يكون في شخصيتها حب السلطة والتسلط فإن ذلك سيظهر على تعاملها مع أسرتها بعيداً عن المنصب، كما أن الرجل يخاف من نجاح المرأة فهناك تنافس بين الجنسين على المناصب، إلا أن ذلك جميعا لا ينفي وجود نماذج من السيدات ممن تتقلد مناصب كبيرة وعالمية ونجحوا كأمهات وزوجات فالشخصية حينما تكون سوية ومتوازنة لا يحدث الخلل في حياة المرأة الشخصية فهي فقط من تكون قادرة على خلق تلك الموازنة في حياتها. المرأة القيادية تستطيع التكيف مع ضغوط العمل ومسؤوليات أسرتها