توقع النظام الإيراني سقوط العراق بيد الأميركيين قبل ستة أشهر من نهاية الحرب رسمياً في 9 أبريل عام 2003م، واستعد للاستفادة من الوضع الجديد بتوظيف استراتيجية «الاحتلال الخفي» بدعم ومؤازرة المعارضة العراقية.. استكمالا لحلقة الأسبوع الماضي نواصل سرد بعض القرائن والحقائق التي تحاول المقاومة الوطنية الإيرانية إدانة الحرس الثوري بها ليكون ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية. وليس لدي أدنى شك بأن الحرس الثوري يستحق هذا التصنيف. وتقول الوثائق بأن قوات الحرس الثوري أسست "مديرية متخصصة لتدريب المرتزقة والمقاتلين الأجانب وقسمت معسكرات التدريب وفقا لجنسيات المتدربين ونوع التدريب". وينتظم في هذه المعسكرات المئات من العراقيين والسوريين واليمنيين والأفغانيين واللبنانيين.. أما بلدان مثل دول الخليج، فيعمل الحرس الثوري على تدريب خلايا نائمة تنشط عند اللزوم، وقد لوحظ ذلك في البحرين والكويت وشرق السعودية. وتؤكد المقاومة الوطنية الإيرانية أن "المقر الرئيس لمديرية التدريب يقع في قاعدة الإمام علي العسكرية "عند الكيلو 20 من الطريق السريع بين طهران وكرج"، والمعسكر تحت إشراف أحد قادة الحرس الثوري القدامى و"يقدم تقاريره مباشرة إلى القائد العام لقوة القدس قاسم سليماني". ومن الذين تولوا القيادة العميد رحيمي والعميد خسرو عروج، والأخير يعمل حالياً مستشارا للقائد العام لقوات الحرس الثوري. وسبق له قيادة قوات الحرس الثوري في لبنان وهو ذو ارتباط بحزب الله اللبناني ومن أصدقاء عماد مغنية ولا أستبعد أن يكون ممن أشرفوا على التعاون التدريبي بين تنظيم القاعدة والحرس الثوري الذي أبرم برعاية الدكتور حسن الترابي في السودان. وتتدرب المليشيات الأجنبية والمرتزقة والإرهابيين الذين يؤمون إيران في حوالي 13 معسكرا متخصصا منها ما له علاقة بالتطرف الديني والإرهاب كأكاديمة الإمام علي كرم الله وجهه، ومعسكر عشتار في آمول، ومركز سمنان للتدريب على استخدام الصواريخ، ومركز بادينة للأعمال الفدائية.. أما معسكرات مشهد، وثكنة بازوكي، وجلال أباد وجمران فهي متخصصة في تدريب الأفغان لإرسالهم إلى سورية.. بينما يتخصص معسكر تيليكابين في تدريب الكوماندوز، ومعسكر بادان متخصص في الغوص. ضعف العراق بعد عام 1990م، وفرض مناطق حظر الطيران في الجنوب والشمال، والعقوبات الدولية، ثم لاحقا اجتياحه واحتلاله من قبل أميركا عام 2003م، وإسناد اجتثاث البعث إلى رجل إيران القوي نوري المالكي جعل بلاد الرافدين نقطة انطلاق لهيمنة ولاية الفقيه على العراق أولا ومن ثم الزحف منه لبقية دول المنطقة تحت مبررات وأغطية عديدة. ولم تتفاجأ إيران بالفرصة التي سنحت لها وإنما كانت قد خصصت الفرقة الأولى في فيلق القدس للعراق وكانت خططها جاهزة للتدخل بقيادة إيرج مسجدي الذين عين قبل أشهر سفيرا لإيران في العراق.. بدأ هذا الفيلق من قوة القدس في تنظيم المرتزقة العراقيين في فيلق بدر، الذي كان يعتبر سابقا فرعا من الحرس الثوري. توقع النظام الإيراني سقوط العراق بيد الأميركيين قبل ستة أشهر من نهاية الحرب رسميا في 9 أبريل عام 2003م، واستعد للاستفادة من الوضع الجديد بتوظيف استراتيجية "الاحتلال الخفي" بدعم ومؤازرة المعارضة العراقية وبخاصة تلك التي كانت تتخذ من طهران مقرا لها. ودخلت قوات بدر إلى العراق من خلال عدة محاور هي البصرة وميسان وواسط وديالى. وسيطرت على أجهزة ومراكز، ونقلت وثائق حكومية إلى إيران وأحكمت قبضتها على المناطق الحدودية بين إيرانوالعراق. ولا شك أن تشكيل مجلس الحكم المكون من 25 عضوا معظمهم عناصر مرتبطة بنظام الملالي قد ساعد على التمكن من مفاصل المؤسسة السياسية العراقية. اتخذ النظام الإيراني منذ عام 2003م تدابير هدفت إلى توسيع نفوذه في العراق ليفاقم أزمته ومع مرور الوقت يكون جزءا من حلها بالتفاوض مع الإدارة الأميركية. وللإعلان عن نفوذه زادت وتيرة الهجمات الإرهابية ضد قوات التحالف، واغتيلت شخصيات سياسية وخبراء من السنّة، وتوسعت الجماعات الشيعية الموالية لإيران كسبت نفوذا مضاعفا على حساب بقية المكونات. ليس هذا فحسب بل شكل مجموعات شيعية غير منسجمة مع بعضها، وفرض سيطرته على جماعات قائمة، وقدّم الدعم المالي والسلاح الجماعات سنية مختلفة ليكون نشاطها جزءا من أوراق قوته. ولم يكن من باب الصدقة الجارية إقامة قادة تنظيم القاعدة كأبي مصعب الزرقاوي في إيران قبل انتقاله إلى العراق. وبالتعاون مع المخابرات السورية تم تجنيد سعوديين وشحنهم إلى إيران ومن ثم إدخالهم العراق من المنافذ المسيطر عليها لإيهام الأميركيين بأن السعوديين هم الذين يقومون بالعمليات الإرهابية. هذه اللعبة الشيطانية قتلت عشرات الآلاف من الأبرياء بالسيارات والأجساد المفخخة. وتقول المقاومة الوطنية الإيرانية "منظمة مجاهدي خلق" إنها قدمت قائمة بأسماء 32000 من وكلاء النظام الإيراني في العراق ممن تلقوا رواتبهم من النظام الإيراني، واشتملت تلك القوائم على الأسماء والرواتب الشهرية، وتفاصيل الحسابات المصرفية، مما سلّط المزيد من الضوء على تدخلات النظام الإيراني على نطاق واسع في العراق. وفي حين لم يجد الشيعة المستقلون والعرب السنة دعما مناسبا، كرّست إيران وجودها من خلال عملائها فأصبح إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء ثم نصّبت أميركا الإرهابي المطارد نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق مما كرس تبعية القرار السياسي لطهران. وفي بجاحة لا مثيل لها كتب صادق الموسوي في أكتوبر/ كانون الأول 2015 مقالة على صفحته في فيس بوك عن حميد تقوي، المكنى أبو مريم، وهو من قادة قوة القدس وقتل في وقت لاحق بمنطقة سامراء: "في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق كل العبوات الناسفة الإيرانية التي كانت تستهدف الدبابات الأميركية والعربات المدرعة، كانت من فعل الحاج حميد. وكانت جميع الفئات العراقية تتلقى المشورة والمساعدة وأسلحة متطورة منه. وقال إنه لم يغادر العراق خلال فترة الاحتلال، إلا لبضعة أسابيع أو لتنفيذ عمليات أخرى كان يسعى للقيام بها في فلسطين أو لبنان أو اليمن"، مضيفا بأنه "لم يكن لدى الأميركيين معرفة به، وعندما ألقي القبض عليه ظنت القوات الأميركية أنه مدني عراقي، وأفرج عنه بفضل وساطة من أحد الأعيان. وبعد سنوات قليلة أدرك الأميركان الذين اعتقلوه أنه عضو في المقاومة العراقية النشطة ضد قواتهم.