فجر يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى غادرت والدتي هياء بنت عبدالله بن مهنا الشبانات هذه الدنيا الفانية إلى دار القرار عن عمر يناهز الرابعة والثمانين رحمها الله تعالى وأسكنها جنات النعيم. اتصالات فجر ذلك اليوم كانت الأثقل والأشد إيلاماَ.. محاولات لطلب الإسعاف لكن ساعة اليقين حانت ولا راد لقضاء الله وقدره.. لقد كنت يا أمي دائما صابرة محتسبة لم تجزعي قط في كل مرة نذكِرك بعلاجك، كنت ترددين بكل إيمانِ وطمأنينة "لن تردوا الموت" وتشيرين بإصبعك إلى وسط رقبتك حيث حبل الوتين.. مصداقاً لقوله تعالى "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".. لقد استجاب الله لدعوتك بأن "هون عليك انقضاء أجلك" وأن يتوفاك كما توفى والدي رحمه الله فانتقلت إلى رحمة الله وأنت على فراشك دون تعب أو ألم.. الحمد لله الذي كفاك تعب المستشفيات والأجهزة الطبية والتحاليل المخبرية والأشعة التشخيصية.. صلَيتي ركعتي الفجر وتلوتِ أذكارك وأدعيتك ثم سلَمت روحك لباريها بكل راحة وطمأنينة. سبحان الله لقد قدَر أن يجمع لك بناتك وزوجات أبنائك وأحفادك وتقضي معهم ليلة جميلة وختمتي ليلتك معهم بوداعهم إلى غرفتك المجاورة ولوحت لهم بديك الطاهرة "مع السلامة".. رحمك الله لقد كنت حريصة على وصل الأقارب والجيران والمعارف وكانت كلماتك التي لا تنفكين تذكريننا بها في كل مرة نجتمع حولك "الوصل زين لو باتصال".. لا يمر يوم دون أن تتصلي بجارة أو بقريب تطمئنين عليهم وتسألين عن أحولهم، دائماً تبادرين بالاتصال لا تفرقين بين صغير أو كبير، بعيد أو قريب كنت دائما توجهيننا لزيارة مريض في مستشفى ومد يد العون لمحتاج، تقليبك دفتر الهاتف واتصالك اليومي للسلام والاطمئنان هو سر هذه الجموع الكبيرة التي شاركتنا الصلاة على جثمانك الطاهر في جامع الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن (عتيقة) وتوافد المعزين واتصالات العزاء التي استمرت حتى بعد انتهاء العزاء. سنفتقدك ياغالية.. سنفتقد نعمة الجلوس معك بعد كل صلاة جمعة وسنفتقد الإفطار معك صباحا الثلاثاء سنفتقد حديثك عن معاناة جيلك حيث كنتم تقطعون الكيلو مترات سيراً على الأقدام لجلب الماء وتذكيرنا بما نحن فيه من نعم عظيمة تستوجب شكر المنعم بها علينا. سقى الله مقبرة المنصورة حيث ووري جثمانك الطاهر - إلى جوار أبي رحمكما الله - وقبور ساكنيها رحمة وعفوا ومغفرة.. أسأل الله لك الفردوس الأعلى من الجنة وأن يكرم نزلك، ويوسع مدخلك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة وأن يجمعنا بك ووالدي وجميع الأحبة في جنات النعيم، ويرحم موتى المسلمين أجمعين والحمد لله على ما قدر وقضى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.