تشهد الساحة الإقليمية نشاطاً وتغييرات لافتة، ومن ضمن جملة التغييرات يحدث التقارب السعودي - العراقي مؤخراً وظهور رغبة من البلدين في تعزيز العلاقات. ويتأثر الدور السعودي تجاه العراق بمجموعة من المحددات الثابتة في السياسة الخارجية السعودية والتي ساهمت في تثبيتها وتعزيزها التركيبة الخاصة بالدولة السعودية كمحدد التضامن الإسلامي والتضامن العربي وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام سيادة الدول. يتأثر الخطاب السعودي تجاه بغداد بمبدأ التضامن الإسلامي الذي حكم تعامل المملكة مع أكثر من محطة أزمات شهدها العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، فقد استضافت مكةالمكرمة الفرقاء العراقيين في أكتوبر 2006 من أحزاب سنية وشيعية وتم إصدار بيان يؤكد حرمة دم المسلم على أخيه المسلم وإدانة العنف الطائفي، كما تظل المملكة على نفس المسافة من كافة الأحزاب العراقية دون تمييز لحزب على آخر سواء كان سنياً أو شيعياً أو كردياً. وفي أثناء زيارة وزير الخارجية عادل الجبير الأخيرة إلى بغداد، يظهر هذا المحدد في توجهات الدور السعودي لدعم إعمار المناطق ذات الأغلبية السنية المحررة من تنظيم داعش والمناطق الجاري تحريرها. وتعتبر المملكة من أقرب الدول المانحة والأكثر تأهيلاً للقيام بهذا الدور لعوامل اجتماعية تحكمها دراية الدور السعودي بخصوصية هذه المناطق القبلية والمحافظة سنياً، فقد باتت أداة الدعم الإنساني أداة مهمة للسياسة السعودية في سياسات الشرق الأوسط يُعول عليها في المناطق المحافظة التي يتم تحريرها من داعش وهي تتميز عن الأدوات الغربية التي تفتقر لخبرة التعامل مع خصوصيات الواقع العربي المحافظ كما لا يغيب تأثير مبدأ التضامن العربي في السياسة الخارجية السعودية على توجهات الدور السعودي تجاه العراق في المرحلة الحالية. حيث توجد رغبة عراقية في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية وهي رغبة نشأت مع صعود رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى السلطة، وقد وجدت هذه الرغبة مساراً جيداً لها مع قدوم الرئيس الأميركي ترامب صاحب الخطاب التصعيدي مع طهران. في المقابل تلقى بغداد استجابة عربية واسعة سواء من القاهرة أو عمان ولا ينقصها الرياض. فقد أعلن الوزير الجبير تسمية سفير سعودي جديد في بغداد واستقبلت الرياض بعد الزيارة وفداً عراقياً يناقش فتح المعابر الحدودية بين العراق والمملكة وسبل عودة خطوط الطيران المباشرة بين الرياضوبغداد وفتح المجالات لرجال الأعمال العراقيين في المملكة، كما لا يغيب ملف التنسيق الأمني خاصة في ظل وجود حدود بين البلدين وفي ظل تركيز دول المنطقة على محاربة الإرهاب ويظهر محدد احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الغير كمبدأ مكمل لمبادئ التضامن الإسلامي والعربي في الدور السعودي ويكتسب أهميته الخاصة على الساحة العراقية بسبب حالة الطائفية المنتشرة التي تفاقمت بعد الغزو الأميركي للعراق والتي تعوق تطبيقات مبادئ التضامن الاسلامي والعربي بمفهومهم الأوسع وأخيراً وليس آخراً تمتلك السياسة السعودية فرصة وفرتها التغييرات المتسارعة في الإقليم تؤهلها لإرساء دور مستقر لها في العراق وتمكنها من الحصول على رصيد سياسي يمكن ترجمته لنتائج سياسية تحقق أهداف السياسة السعودية على المدى المتوسط والبعيد. وتقوم هذه الفرصة على تفعيل قواعد العمل الإنساني للتواجد على الأرض في العراق ولتعزيز التواصل مع الأطراف المؤثرة محلياً، وتنشيط قواعد العمل العربي الدبلوماسي الثنائي والإقليمي عبر دعم موقع العراق في مساحات العمل العربي المشترك كي توازن بغداد بين إيران والمنطقة العربية، ودعم جهود ومواقف العراق في محاربة الإرهاب على المستوى الدولي وفي الاجتماعات الدولية كتطبيق لمبدأ التضامن العربي.