لا أقسى على القلب من سقوطه من خانة الذكريات؛ ليفقد بذلك ترتيبه، بل ربما وجوده في سلم أولويات من يحب هكذا يشعر المبتعث فهو دائماً مرتحل، وهو بين رحيل ورحيل يقضي معظم العمر في انتظار المطارات ومحطات الوقوف، والتي قد تبدو لأحدهم قمة السعادة، فقدت قيمتها لديه ولم يعد لها رونق كما وقعها الأول على القلب فيا أيها المبتعث، استمع فإني لك من الناصحين. قبل أن تبتعث ادخر صديقاً أو اثنين يحفظون لك الود بعد أن تعود تحدثهم بأريحية كما اعتدت خالعاً رداء الحذر الذي ترتديه عادةً، فتبدأ وتنتهي بلا إعادة صياغة ولا اعتذار أو تبرير إذا قررت أن تبتعث، فإنك قد حكمت على وجودك بأن يكون مؤقت أينما حللت، والكل سيعاملك على هذا الأساس فالغربة ليست فقط في بلد الغربة، بل حتى في موطنك أنت مغترب لذلك، ضع نصب عينك هدفاً نبيلاً يقيك وعثاء الطريق، ويحميك من الهزائم النفسية التي تقهقر أعتى الرجال وأكثرهم صلابة في أثناء بعثتك كن وفياً لبلد بعثك، وأعد العدة للرحيل محملاً بكل ما تستطيع من أجمل مايملكون. كن ذا عقل سؤول وروح شغوفة، واطلب العلم كما يجدر به أن يُطلب طلاب الدراسات العليا لتكن رسائلكم العلمية عن السعودية ولأجلها ما كان لذلك سبيل بعد البعثة أعلم بأن المجتمع لم يتغير كثيراً، بل أنت من تغيرت فاضبط حماسك وتوقعاتك وآمالاك وطموحاتك على الدرجة المناسبة بلا إفراط أو تفريط تهيأ للصدمة والاختلاف بين مافتئت ترسمه لمستقبلك وتحلم به في حين كنت بعيداً، وبين ماهو عليه الحال تجاوز صدماتك بالأخص النفسية، واجتنب المثبطين من مبتعثين وغيرهم اسعى للتغيير واطمح له بل وضحي من أجله، لكن لا تستعجله فالقرآن وصى بالتدرج في التغيير. وأعلم بأن ليس كل مارأيته قابل للتطبيق، وكن في تغييرك مبتكراً لا مقلدأ لا تعجب من تعامل البعض معك فإنهم حتى وإن استقبلوك بالأحضان ففكرك وعلمك لن يقابل بمثل ذلك، وإن كان البعض أغزر علماً منك، فتجربتك والفرصة التي سنحت لك محل غبطة بل ربما حسد لذا، حين تعاملهم، اعلم بأنك حتى وإن تواضعت لهم فما فعلت ذلك إلا رياء، وإن بقيت كما أنت فأنت متكبر، فلا تبالي بهم وافعل ماتراه صحيحاً.