التحولات والتغيرات الدولية السريعة، تتطلب حراكا سياسيا واقتصاديا يتجاوب معها، ويكون قادرا على قراءتها والتفاعل معها. وتأتي الزيارات التي يقوم بها خادم الحرمين من وقت لآخر لبعض الدول في ذلك السياق، والتي تؤكد على المكانة التي تحظى بها المملكة من جانب، وحرص المملكة على ترسيخ وتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى من جانب آخر، وماليزيا التي يزورها خادم الحرمين الشريفين بداية من الأسبوع القادم، واحدة من الدول المهمة التي تربطها مع المملكة علاقات ووشائج سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، لذا لم يكن مستغربا أن تكون ماليزيا هي أولى محطات خادم الحرمين في زيارته لكل من ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين والمالديف. وماليزيا، التي زارها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في عام 2006 مع بداية توليه مقاليد الحكم، تمثل أهمية للمملكة من الناحيتين السياسية والاقتصادية كما أشرت. فمن الناحية السياسية فإن ماليزيا واحدة من الدول التي انضمت إلى دول التحالف الإسلامي الذي شكلته المملكة في شهر ديسمبر من العام 2015 لمحاربة الإرهاب وضم في حينه 34 دولة كانت ماليزيا من الدول التي سارعت للانضمام إليه. كما أن ماليزيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين، تحرص دائما على أن تكون علاقاتها مع المملكة في أحسن صورها حيث يفد إلى المملكة عدد كبير من حجاجها ومعتمريها سنويا. أما في الجانب الاقتصادي، فإن العلاقة بين البلدين تعود إلى العام 1395ه، حينما تم توقيع اتفاق تعاون اقتصادي وفني بين الطرفين في ذلك العام، والذي انعكس على تسهيل التبادل التجاري بين البلدين، حيث بلغ في العام 2015 أكثر من 12000 مليون ريال، منها 7894 مليون ريال صادرات من المملكة إلى ماليزيا، في حين استوردت المملكة ما قيمته 4694 مليون ريال، وتأتي ماليزيا، نتيجة ذلك، في المرتبة 22 من حيث ترتيب الدول التي تصدر إليها المملكة، وفي المرتبة 28 من حيث الدول التي تستورد منها، ويحتل النفط ومشتقاته والمنتجات البتروكيماوية صدارة ما تصدره المملكة في مقابل ما تستورده من أجهزة إلكترونية وأجهزة تلفزيونية وزيوت نخيل وأنابيب وغيرها، وتبقي سياحة السعوديين في ماليزيا أيضا موردا اقتصاديا مهمًا للجانب الماليزي. الذي نحتاج التأكيد عليه هنا، أن ماليزيا مرت بتجربة تنموية رائعة، حيث اعتمدت إستراتيجية تنموية في العام 1991 اسمتها "رؤية 2020" هدفت من خلالها التحول إلى دولة صناعية، وقد مرت في ذلك بالعديد من التجارب بسلبياتها وإيجابياتها والتي فيها الكثير من الدروس والعبر التي بالإمكان قراءتها والاستفادة منها، حيث كانت رؤية ماليزيا رؤية شاملة ذات أبعاد اقتصادية وتنموية واجتماعية وثقافية، احتوت مجموعة من الأهداف التي قسمت إلى عدد من الأهداف "الصلبة" وأخرى "ناعمة" حسب ما تم الاتفاق على تسميته بين مسؤولي تلك الرؤية والقائمين عليها، وفي مقدمتهم، بلا شك، السيد مهاتير محمد.