للطيبين وأهل الله أثر في النفوس كبير، وفراقهم يسبب فراغاً في القلب لا يمكن وصفه أو التعبير عنه لا سيما في نفوس من تعلقوا بهم من أطفال وصغار بل وشباب وكبار، ومن هؤلاء الذين لهم ذكرى حسنة وأثر كبير في حياتنا أنا وإخواني أبناء العم الكرام العم الجليل والشيخ المبارك محمد بن بندر البندر الهويدي (أبو بندر )رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به ووالدينا وأحبابنا في جنات النعيم . كان أبو بندر لين العريكة، حسن المعشر، لطيف الحديث، ذا كاريزما أخاذة لا يمل مجلسه ولا تحب أن تغادره أو تفارقه إلا مضطرا. لم يرزق من الذرية إلا بنتاً واحدة (أم محمد) ، وهي امرأة صالحة فاضلة، أما الأبناء فكل أفراد الأسرة بل كل أبناء الجيران أبناء له رحمه الله كان يتحلى بصفات جليلة وجميلة لا تجتمع إلا في النوادر ومنها : الرحمة والعطف بالأيتام والأرامل والمساكين والحنو على الصغار والتلطف معهم ومن صفاته البشاشة ورحابة الصدر وكثرة الطرفة المستملحة والدعابة اللطيفة. ولا ننسى ونحن صغار كيف كان يملأ علينا يومنا لا سيما بعد وفاة الوالد والعم رحمهما الله ونحن صغار أغلبنا لم يناهز البلوغ . تعلمنا في مدرسة أبي بندر رحمه الله حب الخير للناس والإحسان إليهم وبذل المعروف والصدقة، وتعلمنا فيها صلة الأرحام والبر والإحسان للأقارب والجيران وتعلمنا من حياته رحمه الله الكرم وكيف كان بيته على تواضعه عامرا بالأحباب والأصحاب الذين يجتمعون يوميًا ولم يكن يجمعهم حب الجاه أو الحصول على شفاعة أو مقصد دنيوي وإنما كان يجمعهم الحب في الله والمؤاخاة فيه. وكان بندر يتردد على مجلسه بشكل يومي خيار الرجال من طلبة العلم وأهل الخير والفضل في حي الحمراء، منهم الشيخ إبراهيم العمر والشيخ عبدالله الموسى والرجل المحبوب متعب القحطاني وغيرهم كثير. لقد كان أبو بندر رحمه الله رجلا عصاميا وكادحا طالبا للكسب والرزق الحلال منذ نعومة أظفاره، حيث يذهب من قبيل الفجر إلى سوق الخضار ويجلب ما تيسر ويبيع ويتصدق ويهدي ويطعم ضيفه ويطعم باقيها للبهائم ولا يرمي شيئا أبداً إكراما للنعمة سألته يومًا من الأيام مداعبًا: أراك يا أبو بندر تشتري خضرة بعضها زين وبعضها خربان ؟ فكان يقول بدعابة وطرفة وحسن تخلص وكان سريع البديهة قريب الطرفة رحمه الله ومع ذلك كله كان له نصيبه من قيام الليل لا يتركه أبدا وكان ينام عندنا أحيانا وكنا بتوجيه من الوالدة حفظها الله نضع له الفراش والسجادة والماء، فإذا كان قبل الفجر بساعتين أو ثلاث قام يتهجد ويقرأ القرآن ويذكر الله ويستغفر فإذا أصبح فإذا على وجهه النور والرضا وبشاشة الايمان. وأذكر رحمه الله قبل وفاته أسر إلي أنا وأحد من الأقارب الكرام أن بيته في منفوحة وقف لله تعالى لصالح بعض أيتام العائلة فلما توفي رحمه الله أثبتنا هذا الوقف وأخرج باسم الأيتام، ومآثره كثيرة ومحاسنه لا تحصر. رحمك الله يا أبا بندر وأجزل لك المثوبة وجعل مثواك الفردوس الأعلى من الجنان . الحديث عن هذا الرجل العظيم لا يمل، وما دفعني للكتابة عنه بعد وفاته بقرابة عشرين سنة تخليد سيرته وذكر محاسنه والدعاء له وتذكير ذويه ومحبيه بالصدقة عنه وصلة رحمه، رحمه الله رحمة واسعة. *إمام جامع الأمير سلطان بحي الحمرا