"أكبر خطايا الإنسان ميلاده" هذا شعار الفيلسوف الألماني "شوبنهاور" الذي يؤكد أنّ الشقاء في الحياة إيجابي والسعادة سالبة، فالإنسان مُحاط بظلمات الشقاء مدى حياته، يتخللها بروقٌ كاذبة وخاطفة من السعادة، فالشقاء - في رأيه - هو الأصل والبحر المحيط بالإنسان، والسعادة مجرد قطرات عذبة سرعان ما تذوب في ملوحة البحر.. يُشبِّه لحظات السعادة "بقطعة حلوى" نُحسّ بطعمها في الفم ثواني ونفقد حلاوتها بسرعة، أما القلق والمشكلات وهموم الوجود والحياة فهي مُقيمة ومتجذرة وتستمر تضرب في النافوخ!. ويرى شوبنهاور أنّ "الموت راحة من شقاء الحياة" ولكنّ الناس يخافون من "فكرة الموت" أما الموت نفسه فلا معنى للخوف منه، لأن الإنسان إذا مات فلن يحس بأي شيء حسب فلسفته المادية ولهذا يبرر الانتحار ويدعو له، رغم أنه هو لم ينتحر بل كان أحرص الناس على الحياة، يدقق في الغذاء ويمارس الرياضة ولا ينام إلّا والمسدس بجانبه ليدافع عن نفسه ضد الموت!. قلت: والسبب الحقيقي لهذا التشاؤم الأسود عند "شوبنهاور" هو أنه دهري ملحد، فلا غرابة أن يرى الحياة قصة سوداء حمقى، فالإلحاد هو أقوى وسيلة للحصول على الشقاء الضارب في الأعماق، بعكس الإيمان العميق بالله العلي العظيم فإنه يمنح الطمأنينة والسعادة وراحة البال ولذة العبادة ورجاء ماعند الله، أما الملحد فيضربه اليأس بعنف ومعه جيوش الشقاء والخوف. وربما كان لقصة شوبنهاور مع أمه حين طردته شرّ طردة دورٌ في زيادة تشاؤمه وشدة هجومه على المرأة حتى إنه لم يحب أو يتزوج، ومن كَرِهَ المرأة كَِرهَ الحياة.. لكن السبب الأصل هو إلحاده الذي جعل أفكاره تتشح بالسواد.