الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أما بعد: فقد اطلعت على مقال (ما هي مهام سماحة المفتي؟) لسعادة الأستاذ عبدالله ناصر الفوزان ضمن زاوية مقالاته بجريدة الرياض في عددها (17751) الصادر يوم الأحد 1/ 5/ 1438 ه - 29 يناير 2017م. وبداية: فإن منصب الفتوى والإفتاء منصبٌ عظيم ومقام خطير، وحسبنا تحذير الله أن يتولاه أحد بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، قال الله سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ) [ النحل: 116 ] فمن تولَّى الإفتاء فهو مؤتمنٌ على شرع الله ودينه؛ وهذا يقتضي حفظَ الأمانة، والصدقَ في التبليغ؛ والإحسان إلى الخلق بدلالتهم على شرع الله. وجواباً على تساؤل الكاتب الظاهر: فإن مهام المفتي علاوة على تأطيرها بما جاء بشأنها في القرآن والسنة، فإنها منظَّمة وواضحةٌ ضمن أعمال الحكومة الموقَّرة، منذ أسس الملك عبدالعزيز رحمه الله لهذا المنصب بمرسوم ملكي كريم عام 1374ه / 1953م وعيَّن بموجبه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتيًا عامًا للمملكة. وهذه المهام للمفتي العام يدركها العامة من الناس كما الخاصة، ومنصب الإفتاء ليس منصباً مستحدثاً يصعب إدراك مهامه، فقد جاءت شروطه وآدابه المستنبطة من نصوص القرآن والسنة، ويدرك هذا كلُّ مثقف ومن له صلة بالعلم الشرعي وبمؤلفات علماء الشريعة. وفوق ذلك: ففي وطننا العزيز واستشعاراً لرسالة العلم ومقام الإفتاء وضرورة المجتمع إليه فقد جاء النص على هذا في النظام الأساسي للحكم في المادة (45) : (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية: كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء واختصاصاتها). وقد بين النظام أعمال وترتيب واختصاصات هيئة كبار العلماء ورئاسة الإفتاء، وصدر بذلك مرسومان ملكيان كريمان. ولسماحة المفتي ومنصب الإفتاء مرجعية واضحة تنضبط بها أمور الناس، وهذه المرجعية تكتسب بعداً زائداً في المملكة العربية السعودية حاضنة وخادمة الحرمين الشريفين وإليها متجه أفئدة المسلمين في أرجاء الدنيا. ومهام المفتي اكتسبت بعداً آخر في كثيرٍ من العقود لمواجهة الخارجين على أئمة المسلمين المستحلين للدماء والحرمات المعصومة، وبخاصة مع اتكاء المبتدعة والخوارج وأصحاب الفكر الضال على نصوصٍ من القرآن والسنة لبَّسوا بها على الناس واستمالوا قلوب الحدثاء، ولولا ما هيأه الله من مواقف المفتين أولي العلم لانطلت شبهات التكفير والبغي والإجرام على كثير من الناس، وهذا واضح في قصة سيدنا عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه وإرساله سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لدى حواره الخوارج، وهكذا من بعدهم. ولسننا ببعيد عن هذا الموقف الجليل وتلك المهام العظيمة من مقام هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء برئاسة سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله، وسلفه سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز - رحمه الله-، فقد برزت هذه المواقف في مراحل حساسة نحو وطننا العزيز، كما حصل في مواجهة إرهاب وبغي جماعات الغلو وأهل الفكر الضال بمختلف مسمياتهم. ثم إني أعتب كثيراً على أخي عبدالله الفوزان إذ قال: (وتثير إجابة سماحته بعض الإشكالات والتساؤلات) ! أقول: فإذا كانت الإشكالات في أجوبة سماحة المفتي فأين سيكون الاعتدال والصواب؟! فليت غيره قالها. ومعلومُ أن هذا هو منطق أصحاب الفكر الضال الذين كانت بدايات تكفيرهم لدولتنا ولحكومتنا ولعلمائنا، بأن بدأوا بالطعن فيهم شيئاً فشيئاً حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من استباحة الدماء والحرمات. وإن كان سعادة الكاتب لا يعرف منهج سماحة المفتي ليستدلَّ بها على مهامه، فأقول بإيجاز: إن من المحفوظ في سيرة سماحة شيخنا الفقيه المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ: ما وهبه الله من العلم والفهم والسماحة والحكمة، ورعايته للمصالح العليا وملاحظة السياسة الشرعية، مع رفق وحلم ولطف وتُؤدة، وحسن صلة بولاة الأمر وإجلال لمنزلتهم، وهو كذلك قريب من عامة الناس متواضع لهم، لطيف رفيق بالمخالفين، لم تحفظ منه كلمة نابية ولا عبارات موحشة، حتى مع من وقع منهم الخطأ نحوه، علاوة على جهوده العلمية والدعوية وتفرغه لمهام العلم وتعليمه والفتوى، ولا نزكيه على الله. ولست في هذا المقام أخلع صفات القداسة والعصمة على سماحته، فكل أحدٍ يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم من منهج الشيخ مدارسته للمسائل العلمية مع أهل العلم وقبوله منهم ما يبدونه من اجتهاد ومراجعة، ولكن ينبغي رعاية الأدب مع العلماء ورعاية منزلتهم، وسلوك مسالك الحكمة في الحديث عنهم أو الاستدراك عليهم. ويحسن التذكير في هذا المقام بأن ما تم طرحه في المقال المشار إليه يتعارض مع مقتضى الأمر الملكي الكريم رقم( أ/71 ) وتاريخ: 13/ 4/ 1432ه ومنطوقه: (عدم المساس أو التعرض لسماحة مُفتي عام المملكة، وأصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العُلماء، بالإساءة أو النقد...). وختاماً: أسأل الله لي ولأخي عبدالله بن ناصر الفوزان سداد الرأي والحكمة فيه، وأن يوفق سماحة المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء لما فيه نفع الناس في دينهم ودنياهم، وأن يحفظ علينا في وطننا أمننا وإيماننا وقيادتنا واجتماعنا ورخاءنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.