هو علم جديد نسبياً حيث بدأ تعريفه وتحديد مجالاته في مؤتمر عالمي تم عقده باوتاوا بكندا في عام 1986، وتلاه مؤتمر بانكوك حيث قدم تطويراً لما تم التوصل إليه سابقا. يعرف مصطلح تعزيز الصحة أنه "العملية التي تمكن الأشخاص من السيطرة على صحتهم وعواملها الحاسمة، بما يترتب عليه تحسين صحتهم" والتعريف الأقرب لنفس تعريفه بأنه "علم وفن مساعدة الناس على تغيير نمط حياتهم للانتقال نحو حالة صحية مثلى". وهذا يعني أن تقوم باجراءات وتطبيقات مستمرة لتحسين الصحة وليس شرطاً أن تنتهي بنتيجة محددة، أي يكون التحسين مستمراً ولو كان بسيطاً، وهذا ينطبق على كل الناس صحيحهم ومريضهم كبيرهم وصغيرهم، متعلمهم ومثقفهم وطبيبهم ومهندسهم وغير المتعلم منهم أيضاً، فهناك من لديه ثقافة ولكن تعزيز الصحة يعني تحويل الثقافة الصحية إلى سلوك صحي . ويمكن أن يقوم بهذا الدور الجهات التعليمية والصحية وقطاع الأعمال بكل اختلافها السيطرة على الصحة لن تكون أبدا بعلاج المرض إن حدث بل بالوقاية منه باتباع نظام صحي يعدل نمط الحياة ليكون أفضل. أن تكون حياتك صحية ليس معناه أن تكون مثاليةً، والغذاء الصحي لا يعني أن يكون مسلوقا خاليا من السكر والملح والبهارات، ومن يتبع نظاما صحيا ليس شرطاً أن يتجنب المناسبات الاجتماعية لاعتقاده أن الأكل دهني غير صحي. تلك المفاهيم الخاطئة والمتشددة جعلت الناس ينفرون من كلمة غذاء صحي وحياة صحية. عندما نوصي باتباع برنامج لياقة بدنية لا نشترط الانضمام لنادي رياضي أو لياقي ولا حتى مزاولة رياضة بعينها، بل نوصي برفع اللياقة البدنية حسب وضعك الصحي والاجتماعي لتكون جزءاً من حياتك اليومية مثل الاستغناء عن السيارة للمشاوير القريبة، واستخدام الدرج بدل المصعد وتخصيص وقت أكثر للعناية بالجسم وتقويته بالمشي والسباحة وحتى بعمل المرأة في بيتها والرجل في مزرعته أو استراحته. نتائج مذهلة قد تفاجأون من النتائج المذهلة التي يمكن أن نجنيها من تطبيق برامج تعزيز الصحة والوقاية والأمراض والتي حققتها كثير من الدول للمحافظة على الصحة، مع أن بعض تلك الدول وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية أقل إمكانيات مادية من المملكة، حيث يوضح تقريرها تكامل الإمكانات لدينا التي تؤهل لتقديم خدمات صحية متميزة في حين تتزايد الأمراض ويضعف مستوى الخدمات الصحية. الانحدار هذا لا تتحمله الجهات الحكومية وحدها بل على مستوى الأفراد والأسر حيث تضعف الثقافة الصحية المقننة والواضحة من خلال المناهج الدارسية والبرامج التوعوية الممنهجة، والتي تلعب دوراً هاما في مستوى الصحة العامة. ومع السهولة النسبية لتطبيق تلك البرامج الصحية لكونها تتماشى مع قيمنا الإسلامية وتعاليم ديننا السمحة التي تدعو للنظافة وتجعلها شرطا للصلاة خمس مرات في اليوم ، وتقنن الأكل الزائد بالصيام وعدم الإسراف في المأكل والمشرب وتجنب المحرمات ومايضر بالجسم مثل التدخين، ولهذا أعتقد أن تطبيق تلك البرامج سيحق نجاحات مشجعة إذا طبقت بشكل مناسب للمجتمع . هي دعوة للجهات الصحية المعنية و على رأسها وزارة الصحة أن تضمن خطتها ضمن رؤية 2030 برامج تعزيز الصحة وتوفر لهذه البرامج كل ماتحتاجه وتقييم إنجازها سنويا ويعلن ذلك للجميع، وأتمنى أن تستثمر الهيئة العامة للترفيه تلك الفرصة الثمينة لدمج برامجها مع برامج تعزيز الصحة حيث سيأتي الناس إليها بدل أن تبحث عنهم وتحقق أهدافها من خلال خدمات مميزة يبحث عنها الجميع مثل مراكز اللياقة والترفيه و مراكز العناية بالصحة وغيرها. نتائج تعزيز الصحة تشبه جبل الجليد ترى ثلثه بينما ثلثيه مطمورة في الأعماق، فالنتائج الظاهرة هي تحسين الرعاية الصحية ونمط المعيشة بما فيها التغذية واللياقة، ولكن أغلب نتائجها غير منظورة مثل تحسين معدلات الإنتاجية للطلاب والموظفين وتقليل نسب الغياب (عالمياً توضح الداراسات أن 38% من أسباب الغياب هي أسباب صحية وربما تضاعفت هذه النسبة لدينا)، ورفع مستوى الرضا وتحسين مستوى المعيشة والصحة وتقليل الإعاقات قصيرة وطويلة الأمد، وتخفيض تكاليف التأمين الصحي والخدمات المساندة، والمحافظة على الموظفين الأكفاء في كل قطاع وغيرها من الفوائد، وفي كل الأحوال خفض تكلفة العلاج من 50- 70%، ولكن أن تتخيلوا كم يساوي ذلك من المبالغ المالية التي يدفعها الشخص والدولة . في مجال تعزيز الصحة خطت بعض الدول خطوات واسعة وحققت نتائج باهرة بينما ظلت دول أخرى متأخرة في هذا المجال بغض النظر عن تطورها صناعياً، فالولايات المتحدة مثلاً لا تخصص لبرامج تعزيز الصحة سوى 10% من ميزانياتها ولهذا ليست من الدول المتميزة في مجال تعزيز الصحة. وعلى صعيد أصغر تتنافس كثير من الشركات الكبرى في توفير برامج تعزيز للصحة لموظفيها وهو مايسمى "ببرامج تعزيز الصحة بمواقع العمل" (Workplace Health Promotion)، وتبذل تلك الشركات بسخاء لدعم تلك البرامج ومنها بيئة العمل فمن يعرف بيئة العمل في شركة قوقل مثلا يستغرب كيف توفر هذه الشركة تلك البيئة المكلفة لموظفيها، والجواب واضح لهم لأن انتاجية الموظف ورضاه الوظيفي تحقق أهداف الشركة وإبداع موظفيها . أفضل بيئة لتطبيق مبدأ تعزيز الصحة هي بالمدرسة بما يسمى بالمدرسة المعززة للصحة، وهي فرصة هائلة النفع لو طبقت ولو تدريجياً، وأشدد على كلمة (طبقت) لأن المعلومات موجودة وربما قد تدعي بعض المدارس أنها تطبق تعزيز الصحة ولكن في الواقع تجد البرنامج عبارة عن معلومات ملقنة للطلاب لا تنعكس على أرض الواقع . التجارب العالمية تؤكد على نجاح البرامج تلك في المدارس واستمرار السلوك الصحي للطالب داخل وخارج المدرسة. محاور تعزيز الصحة المدرسية لها أهمية وطنية في وقتنا الراهن، فهي تتضمن الصحة العقلية والفكرية والوجدانية والنفسية ومنها مكافحة التدخين والمخدرات بالإضافة لما يتعلق بالصحة الجسدية مثل التغذية السليمة واللياقة البدنية والصحة الجنسية والنظافة. ولكن أن تتخيلوا كم من العائد على تنمية عقول وسلوك أبنائنا من خلال برامج أثبتت نجاحها وفعاليتها . نتائج بعض البرامج لقياس معدل الربح من مشروع معين يستخدم الاقتصاديون مصطلح (العائد على الاستثمار) Return on Investment ROI )، و تطبيق برامج تعزيز الصحة يمكن قياس عائدها على الاستثمار على مستوى الفرد أو المجتمع أو الدولة، ولكن هناك عائد أهم وهو عائد الاستثمار في الإنسان لتعزيز الأنماط الصحية في حياته لتصبح جزءاً من سلوكه وثقافته. نشرت مجلة (The Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism) نتائج أبحاثها التي أجريت على حوالي 35 ألف موظف لمعرفة سبب انخفاض إنتاجيتهم وتكرر غيابهم ووجدت أن أكثر الأمراض والمشاكل الصحية انتشاراً في بيئة العمل هي حسب الآتي: 71٪ من العينة لديهم سوء التغذية بزيادة أو نقصان، 63% يزاولون نشاطات بدنية قليلة أو لا يزاولونها مطلقاً. 61% كان لديهم قلق وضغوط نفسية عالية ، 54% لديهم ارتفاع كوليسترول، 44% يعانون من آلآم الظهر، 21% لديهم ارتفاع في ضغط الدم . وتوصلت الدراسة الى نتائج أخرى مهمة، أن من يعانون من الاكتئاب تزيد تكلفة علاجهم السنوية 70%، ومن يعانون من القلق والضغوط النفسية تزيد 46%، وتزيد تكلفة مرضى السكر 35%، والسمنة 21%، والتدخين 21%، وارتفاع الضغط 12%، ومن لا يزاولون النشاط البدني 10%. أوضحت نتائج دراسات أخرى أن برامج تعزيز الصحة وفرت نسباً متفاوتة من الميزانيات المخصصة سابقاً لمعالجة الأمراض وصلت إلى 70% في بعض الأمراض. ونشرت مجلة الطب الوظيفي والبيئي (Journal of occupational and environmental medicine) نتائج أبحاث فريق بحثي أميركي من ولاية يوتاه أجريت على 3737 موظفاً شاركوا في برنامج تعزيز الصحة فكان هناك تحسنا ملحوظاً في الوزن بالذات لمن يعانون من نقص الوزن وأيضاً في مستوى السكر والكوليسترول والدهون الثلاثية وارتفاع الضغط، وتنوعت حالات التحسن في نمط الحياة من تقليل تناول والدهون، وتحسن معدل مزاولة اللياقة البدنية وتقليل الضغوط النفسية وارتفاع معدل الرضا والسادة اليومية . قامت جمعية (The Total Rewards Association) بدراسة أسباب تطبيق الشركات لبرامج تعزيز الصحة فكانت 85%، من تلك الشركات تهدف إلى تحسين صحة موظفيها، وتعزيز شعور الموظف بقيمته في بيئة العمل بمعدل 79%، تقليل تكاليف العلاج بنسبة 77%، ارتفاع إنتاجية الموظف بنسبة 73%. كما أوضحت إحصاءات نقابة الأبحاث والتطوير (RAND Corporation)، أن برامج تعزيز الصحة التي درستها كانت فعالة في تحسين الصحة العامة وضبط الوزن وزيادة اللياقة، والتقليل أو التوقف عن التدخين، وبعد تطبيق البرنامج لمدة خمس سنوات أظهر تحسنا واضحا في تقليل تكاليف العلاج . تعديل السلوك الغذائي *لو أرادت جهة حكومية أو خاصة أو أسرة أو حتى فرد أن يطبق مبدأ تعزيز الصحة، فما البرامج التي يبدأ بها؟ -أهم البرامج هي تعديل السلوك الغذائي وتحسينه ثم رفع اللياقة البدنية من خلال مزاولة نشاط بدني يومي أو شبه يومي، تجنب التدخين وعلاجه إن وجد، ثم إيجاد حلول لتقليل التوتر والقلق، ثم تخفيف الوزن إن كان مرتفعا، وإتخاذ وسائل وقائية من ارتفاع السكر والضغط والكوليستيرول، تجنب مسببات مشاكل الظهر، تقليل الأدوية غير الضرورية، تجنب مسببات الحوادث الشخصية والمرورية .