شاهدت قبل يومين فيلم فلورنس فوستر جينكنز. مخرج الفيلم وكاتبه بريطانيان. أما الممثلة التي أدت الدور فهي العظيمة ميريل ستريب التي أعتقد أنه لا يجب أن يتم ترشيحها للأوسكار لأنها أكبر من الجائزة ومن أن توضع مرشحة لقاء مرشحات أخريات. الفيلم يتحدث عن أسوأ مغنية أوبرا في تاريخ أميركا. اشتهرت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. قادمة من عائلة غنية، درست الموسيقى في صغرها. أصيبت بالزهري من زوجها الذي تركته بعد أن عرفت ما نقل إليها. عاشت في نيويورك، تعرفت على زوجها الآخر ومدير أعمالها. الكل يجمع على رداءة صوت فلورنس. وكيف كانت تغني دائما خارج الطبقة وبصوت حاد وغير مدرب على الرغم من تلقيها دروسا مكثفة في تدريب الصوت. كيف وصلت للشهرة كمغنية أوبرا، هذا ما يحكي عنه الفيلم، المال بالطبع كان المسبب الأكبر لأن زوجها ومدير أعمالها كان حريصا ألا تغني فلورنس للجمهور بل تغني دائما في حفلات خاصة كانت تمولها شخصيا والمدعوون جميعا يختارهم بعناية ويحرص دائما على ان يكونوا من فئة الأصدقاء الذين لن يصدموها بمقدار رداءة صوتها أو فئة النقاد الذين يمكن شراؤهم بالمال فيخرجوا من الحفل ليكتبوا كم هي عظيمة. لا أحد يعرف إذا كانت فلورنس تدرك فعلا أنها رديئة جدا وتكابر أم أنها كانت فعلا غافلة وتؤمن بأنها تملك موهبة خارقة، الفيلم يظهر لنا أنها لم تكن تعرف قدراتها وكانت تظن فعلا أن غناءها رائع. الجميل والعبقري في الفيلم أنه يتحدث عن هذه الشخصية بحب وإنسانية. هناك الكثير من الكوميديا، لكنها الكوميديا الراقية التي تجعلك تضحك وأنت متعاطف مع هذه المرأة التي تحب الموسيقى وتحب زوجها وتحب أصدقاءها ومقتنعة تماما أنها مغنية أوبرا كرست حياتها للموسيقى. الأداء العبقري لميريل ستريب مذهل لأنها وهي المغنية ذات الصوت الرائع التي شاهدناها في فيلم ماما ميا تغني أغنيات الآبا بجمال أخاذ، استطاعت أن تغني بصوت في غاية السوء وتؤدي بشكل مقنع تماما دور شخصية لا تعرف أبدا كيف تغني. أما زوجها فيظهر لنا الفيلم أنه لم يكن يساندها من أجل المال الذي تغدقه عليه، لكن لأنه يحبها فعلا. كلما رأيت فيلما يتحدث عن سيرة إنسان ليس عظيما بل إن حياته تمتلئ بالغرابة ولحظات الضعف أقول لنفسي بالفعل، الحياة مليئة بالحكايات الأغرب من الخيال، وأنه مهما شط الكتاب في ابتداع شخصيات غريبة، سنجد في الحياة أغرب منها. أدهشني في المخرج إنسانيته وكيف أخرج هذه الشخصية بهذا الشكل، كيف كان رؤوفا بها. وتعلمت منه أننا يجب أن ننظر إلى الجانب الإنساني من كل إنسان ونبتعد عن الأحكام القاسية أو وضع لقب واحد نعرف من خلاله حياة كاملة، كان من الممكن أن نقول، مغنية أوبرا فاشلة وجدت طريقها للشهرة من خلال المال. لكن الفيلم جعلنا نقترب ونفهم لماذا تصرفت بهذه الطريقة. هذه عبقرية السينما.