أثار مشهد الجنود الإسرائيليين المخزي الذين هربوا لحظة وقوع حادثة الدهس في القدس أمس رغم كثرة عددهم، تاركين خلفهم زملاءهم الجرحى على الأرض لتعود الشاحنة من جديد وتجهز عليهم، أثار جدلاً واسعاً في الداخل الإسرائيلي ظهر جلياً في شبكات التواصل الاجتماعي وعلى صفحات المواقع الإخبارية. حيث أظهر مقطع فيديو وثق لحظة الهجوم عجز وضعف ضباط وجنود الاحتلال. فالبعض اعتبره موقفاً مخزياً ومحفزاً للفلسطينيين لتنفيذ المزيد من الهجمات، والبعض الآخر حاول تبرير ذلك بأنهم في مرحلة دورة عسكرية ولم يتلقوا تدريباً قتالياً بعد، أو أنهم تجنبوا إطلاق النار خشية أن يكون مصيرهم كمصير زميلهم إلؤور آزاريا الذي أدين الأسبوع الماضي بقتل فلسطيني جريح. هذا الجدل حفز مدير كلية تدريب الضباط بالجيش للدفاع عن جنوده بالقول إن اثنين على الأقل منهم فتحوا النار باتجاه الشاحنة، وأضاف: لم يتردد الجنود إلا ثواني معدودة»، لكنه أكد في الوقت نفسه أن تحقيقاً سيفتح في الحادث لتحديد سبب فرار معظم الجنود من الموقع بدلاً من المبادرة بالرد. وأكد تقرير للموقع الأمني «تيك ديبكا» أن المرشد المرافق للجنود هو من بادر بإطلاق النار على سائق الشاحنة من سلاحه الشخصي، مستغرباً في الوقت ذاته عدم دعم الفرقة التي معه له مفضلين الفرار وتركه وحيداً، ونقل الموقع عن المرشد قوله: «لا أفهم لماذا لم يبادر الجنود بفتح النار على المهاجم وتركوني وحيداً، لقد كنت برفقة أربعين جندياً، إن هروبهم هذا مكن سائق الشاحنة من العودة مرة أخرى للإجهاز على الجرحى الذين سقطوا في البداية». وأنتقد التقرير ما أعتبره أسوأ من ذلك وهو فرار المجموعة التي كانت بعيدة بعشرات الأمتار عن الموقع بشكل غريب دون الالتفات لما يجري لزملائهم رغم أنهم مسلحين. من ناحيته علق الكاتب اليميني حاييم شاين في صحيفة «إسرائيل اليوم» بالقول إن صور الجنود والضباط وهم يفرون من ساحة العملية «صدمته وإن هذه المناظر ستظل عالقة في الوعي الجمعي الفلسطيني كصورة انتصار». وأكد أن مثل هذه الصور لا تسهم في مراكمة الردع في مواجهة «الأعداء» على حد وصفه، متوقعاً أن تسهم صورة الجنود الفارين في زيادة الدافعية لتنفيذ المزيد من العمليات. وأضاف: «أكتب هذه السطور وقلبي يقطر دماً، فكمقاتل وكضابط احتياط أصيب بإعاقة خلال خدمته العسكرية أشعر بالخجل لما شاهدته عيناي». وفي صحيفة «هآرتس» أكدت عميرا هاس في مقال لها اليوم بأن عملية القدس أظهرت وبشكل واضح وجلي عجز «الردع الإسرائيلي» الذي فشل في منع منفذ العملية من الانطلاق بشاحنته نحو الجنود ودهسهم، رغم معرفته الكاملة بالعقوبات التي ستطال عائلته وتسبب بهدم منزله. وأردفت هاس قائلةً إنّ الإدعاءات الإسرائيليّة التي تُساق لتبرير عدم اتسّاع العمليات وتحولها لانتفاضةٍ شعبيّةٍ لا تمُت إلى الواقع بصلةٍ، لافتةً إلى أنّ النضوج السياسيّ للجمهور الفلسطينيّ هو السبب في ذلك، لأنّ هذا الجمهور يعرف أنّ الواقع التعيس الذي يعيش فيه يُحتّم اندلاع الانتفاضة، ولكنّه ينتظر اللحظة المواتيّة لبدء الانتفاضة، على حدّ تعبيرها.