تجربة الأندية السعودية في الشراكة مع القطاع الخاص من خلال الرعاية تكاد تكون متفردة على المستوى الخليجي من ناحيتين، الأولى كونها الأكثر نجاحاً وإن شئت استمراراً على مستوى المنطقة الخليجية، الثانية أنها تقوم -في غالبية الأندية- على شيء من الدراسة لجماهيرية النادي والتوزيع الجغرافي. هنا نتساءل.. عن سبب خروج شركات الاتصالات الثلاث من رعاية الأندية، هل كانت الرعاية -وهي السباقة في ذلك- قائمة في الأساس على الدراسة، أم التنافس فيما بينها، أم كلاهما؟ دخول شركات الاتصالات في السابق كان محكوماً بوضع هذا السوق في الأعوام الماضية، وطبيعة المشهد الاقتصادي عموماً الغني في موارده، والسخي في مصاريفه.. الأمر الآخر أن حجم المنافسة بين تلك الشركات في ذلك الوقت كان كبيراً، ويتسم بالوجاهة أكثر من الدراسة، وهو الأمر الذي قسمها بين الأندية آنذاك، فضلاً عن التدخلات والعلاقات التي تربط بعض الشرفيين بتلك الشركات، والدليل أن بعض الشركات ترعى أندية ذات جماهيرية قليلة جداً على الرغم من أن أهم أساسيات الشراكة بين القطاع الخاص والنادي الرياضي في أي مكان في العالم هي الجماهير، حتى وإن لم يكن الفريق صاحب بطولات عريضة، أو كثيرة. في المقابل فإن تجربة الرعاية تلك أعطت دروساً جيدة لكلا الطرفين، وكذلك فائدة لكلاهما، إلا أن الفائدة التي اكتسبتها بعض الأندية انعكست فيما بعد عليها إيجابياً في استقطاب رعايات أخرى مع الأخذ في الاعتبار تنوع الرعايات، نادي الهلال أبرز مثال على ذلك، إذ تنوعت الرعاية على قمصان الفريق، ومقر النادي بين شركات الاتصالات "موبايلي" والأغذية "دومينوز بيتزا" والتأمين "بوبا" والعطور الشرقية "عبدالصمد القرشي" والسيارات، وعدد آخر.. بعضها انتهى، والبعض مستمر. القطاع الخاص يدرك أهمية رعاية الأندية والمردود لذلك، الهلال مثال واقعي.. صحيح أنه غاب عن البطولات الكبرى مثل آسيا.. إلا أن أكثر من ثماني شركات تتنافس على رعايته دليل على التنوع الجغرافي المميز في توزيع جماهيره، لاحظ أن أغلب الأندية "غير الكبيرة" تتعمد رفع أسعار التذاكر عند يحل الهلال ضيفاً عليها. لاشك أن الحالة الاقتصادية تحكم عموم المشهد، لكن جاذبية القطاع الرياضي في المملكة محكومة في الأساس في جانب واحد رئيس ومهم وهو المشجعين، في المملكة نسبة كبيرة منهم في سن الشباب فما دون، وهنا تكون القيمة الاقتصادية التي تجعل من أي منتج، سلعة رائجة، تحقق مبيعات كبيرة وسريعة. اليوم هل الحالة الاقتصادية والركود العالمي جعل من قضية الرعاية والشراكة مع الأندية أصعب؟ بالتأكيد لا، بل جعلت منها أهمية أكثر، ذاك أن الجهة بحاجة اكثر إلى وسيلة ترويج أكثر فعالية، خاصة مع تراجع حجم انفاق الأسر نتيجة تقليص عدد من المميزات لمنسوبي القطاعين الحكومي والخاص.. عندما تنظر إلى تجربة عدد من دول الخليج في موضوع رعايات الشركات للاندية تجد أن أغلبها فشل، وانتهى خلال هذا العام 2016 والسبب لأنه أغلبها قام على المجاملة، والتجريب الذي لم يكن له مردود مادي.. بل إن شركات كبرى في تلك الدول دخل سوق الأندية وبورصة التشجيع السعودي.. بكل بساطة الجمهور هو حجر الزاوية، بمعنى لو أن الفريق حصل على بطولات عالمية، أو أقليمية.. من دون شريحة كبيرة من الجماهير؛ فإنه لا قيمة للرعاية، إلا في حالة واحدة إذا كانت الشركة ترغب في إظهار العلامة التجارية (branding) مثل قطاعات النفط، والاستثمار.. أي القطاعات التي تتعامل مع أخرى في قطاع الأعمال (b to b). لذلك كله أعتقد أن شركات الطيران ستكون اللاعب الأكبر في المرحلة المقبلة على مستوى الرياضة السعودية، لسببين: الأول أن الرعاية تحقق لها مزيداً من الانتشار وبالتالي الانتماء، والثاني مستوى المنافسة بين شركات الطيران في المنطقة الخليجية عموماً، وفي المملكة خصوصاً كبير وسيتزايد خلال المرحلة المقبلة، مع العلم أن إحدى أكبر تلك الشركات لاتزال تنتظر الفرصة المناسبة، والنادي المناسب للدخول بأكبر عقد رياضي متوقع، لذلك فالشراكة بين النادي والجهة أجدى، من تعدد الرعايات.. خاصة ونحن على أعتاب تحول الأندية لشركات.. وهنا ستكون لغة المفاوضة، ومستوى الفهم والتفهم أسهل. وأخيراً لا يمكن للرعاية وحدها أن تكون داعماً رئيساً لدخل الأندية، إذ إن عوائد النقل التلفزيوني، ودخل الحضور الجماهيري، وغيرها موارد جيدة إذا أحسن توظيفها وإدارتها.