التقى الملك سلمان أعضاء مجلس الشورى مرتين الأسبوع الماضي الأولى مناسبة أداء القسم والثانية مناسبة افتتاح الدورة السابعة. المتابع لخطابات الملك يلحظ نزوعها للشفافية والمصارحة ودائما ما تتضمن خطاباته وكلماته مضامين مهمة ورسائل سياسية. وعادة ما تتوافق مع ما تمر به المنطقة من تسارع مقلق للأحداث التي أصابت الجميع بالحيرة وفتحت باب التساؤلات إزاء حقيقتها وأبعادها. المتابع لخطابات الملك يلحظ نزوعها للشفافية والمصارحة ودائماً ما تتضمن خطاباته وكلماته مضامين مهمة ورسائل سياسية، وعادة ما تتوافق مع ما تمر به المنطقة من تسارع مقلق للأحداث التي أصابت الجميع بالحيرة.. حديث الملك للأعضاء كان مباشرا وهو بمثابة رؤيته التي تعكس فكره وتعبر عنه وبامتياز ما يدفعنا للتوقف عند مضامينه. أجواء الشورى تتزامن هذه الأيام تقريبا مع مرور عامين على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم وهي ذكرى ومناسبة سيحتفي بها الوطن لتجديد البيعة وترسيخ الانتماء والولاء للوطن الكبير وتكريس العقد الاجتماعي ما بين الملك والشعب. الاحتفاء بذكرى البيعة لحظة فاصلة تعيدنا لإرهاصات المشروع الوحدوي للمؤسس الراحل الذي لم يعرفه العالم العربي من قبل. الملك أكد أن "منهج الشورى هو منهج دولتكم منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله.. آراؤكم ومقترحاتكم وما ستقومون به في المجلس سيكون محل تقدير دولتكم ومواطنيكم وتقديري الشخصي. أنتم لا تعملون لمصالح فئوية أو حزبية أو شخصية إنما لمصلحة الوطن". في تلك العبارات يضع الملك هنا ثقته في المجلس التشريعي مطالبا إياه بالعمل لمصلحة الوطن ولا شيء غير الوطن. وهو يشير أيضا إلى تركيبة مغايرة لمجلس الشورى التي لا تشابه مثيلاتها من مجالس برلمانية أخرى في العالم التي تستند إلى توجهات حزبية وفئوية وإيديولوجية. بعبارة أخرى الملك يضع الوطنية كمعيار أولي وأساسي لاختيار العضو، أي الحرص على مصالح الوطن العليا. هو بذلك يؤسس قاعدة مفصلية فهو ليس فقط ضد التصنيف الفكري والتعصب والنعرات المهددة للسلم الاجتماعي بل أيضا هو يطالب الجميع بضرورة المحافظة على اللحمة الاجتماعية وترسيخ التجربة الوحدوية. عادة ما يردد الملك في أحاديثه ومجالسه أهمية ثوابت الدولة وتمسك ملوك هذه البلاد بمحددات السياسة السعودية مشددا على تعزيز الوحدة الوطنية حيث المساواة فلا تمييز ولا تفرقة ولا عنصرية. هذه البلاد جزء من هذا العالم ولديها تحديات وعليها مواجهتها بشجاعة فالتجربة تجاوزت التصنيفات والمسميات في ظل وجود تنوع مجتمعي يضم قبائل وحضر وسنة وشيعة وإسماعيلية. الملك بالأمس جدد أمله وثقته في المجلس بالاضطلاع بدوره في تحقيق التطلعات ومن استعرض أسماء الدورة الجديدة ودخول أعضاء وعضوات جدد يشعر بالتفاؤل إزاء دورة قادمة فاعلة ومنتجة تسهم في تفعيل العمل التشريعي والرقابي. والمأمول أيضا أن يتحقق للمجلس مزيد من الصلاحيات ليعزز دوره المنشود. وفي ذات الوقت المجلس أيضا معني بإعادة صياغة علاقته بوسائل الإعلام. هذه الفجوة التي ما زالت قائمة بينهما بحاجة إلى معالجة جريئة وجذرية لتساهم في تغيير الصورة النمطية عنه لدى المواطن. نقطة جديرة بالاهتمام أثارها الخطاب الملكي حين تحدث عن القرارات الصعبة يقول الملك "وكما تعلمون فإن العالم يمر بتقلبات اقتصادية شديدة عانت منها معظم دول العالم.. وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف وذلك من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد، قد يكون بعضها مؤلما مرحليا، إلا أنها تهدف إلى حماية اقتصاد بلادكم من مشاكل أسوأ فيما لو تأخرنا في ذلك". عبارات الملك هذه تنم عن شفافية عالية تجعل المواطن على معرفة بما يحدث وتكشف عن رؤية ملك مسؤول عن رعيته في اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة من أجل مستقبل أفضل للأجبال القادمة. وفي مجال السياسة الخارجية أكد أن بلاده ستستمر "بالأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك"، مؤكدا "أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل..". وجاءت الرسالة الأهم في الخطاب الملكي في الإصرار والتأكيد بحزم على مواجهة التطرف والغلو ورفض تجنيد استغلال أبنائنا لتحقيق أجندة لهذا الطرف أو ذاك. السعودية وهي التي اكتوت بنيران الإرهاب دائما ما تطالب بتعاون دولي لمواجهة هذا المارد الذي خرج من القمم. أما أزمة اليمن فجاء الخطاب الملكي ليقطع الطريق على الشائعات والفبركات التي سمعناها في الأسابيع الماضية وتضمنت رسالة سياسية لإيران حيث أكد الملك أن اليمن جار عزيز "ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقرا أو ممرا لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة". ومشددا أن الحل يكمن في الحل السياسي وفقا للمرجعيات الثلاث المعروفة. صفوة القول: على عاتق مجلس الشورى وفي ظل التحديات الراهنة التي تواجهها بلادنا ضرورة الارتقاء لمستوى المرحلة بتجويد عمله الرقابي والتشريعي بشكل يتجاوز أو يتوازى على الأقل مع ما يدور من حراك وفاعلية في ساحة الحكومة.