في إسكتلندا يلبس الرجال التنانير القصيرة كزي رسمي وتقليدي عكس مايحدث في البلدان الشرقية والعربية حيث تكون التنانير بالأصل أزياء نسائية. وفي أفريقيا يفضل الناس هناك الألوان الفاقعة والقبعات الغربية اعتقادا أنها أكثر أناقة عكس سكان الخليج العربي الذين يلبسون ثيابا ذات لون موحد في الصيف وتختلف ألوانها شتاء. هذا الاختلاف هو مظهر واحد لاختلافات إنسانية متعددة في الأفكار والمعتقدات وطريقة التعايش والأكل والشرب وغيرها. ولله في هذه الاختلافات حكم. ومن هذه الحكم هو أن الاختلاف فيه تكامل بين البشر. فلذلك تعتبر هذه الأنواع من الاختلافات الإنسانية اختلافات تناغم. كان ومازال من بعض البشر من ينبذ هذه الاختلافات ويحاولون تعريتها مشكلين بذلك عملية التمييز والعنصرية التي تعود بالإنسان إلى قرون خلت ومحاولين بإقصاء الآخرين فقط لمجرد الاختلاف. ولذلك، ظهرت الكثير من المجتمعات التي سنت قوانين تنظيمية تهدف للتعايش السليم وكفل حق الآخرين وفهم رغباتهم وتجنب نقاط الصدام ووضع حد للممارسات العنصرية والإقصائية. قديما، عندما أسس الرسول عليه الصلاة والسلام أول دولة في الإسلام وكانت في المدينةالمنورة، لم يغفل وجود اليهود في المدينة والذين كانوا يمتهنون التجارة فيها. ووضع أول نظام اقتصادي في الإسلام يكفل حق المسلمين واليهود في العمليات التجارية بكل عدل ومساواة بدون تفريق من حيث الانتماء الديني. وكذلك ماكان عليه المسلمون في الأندلس، حيث عين الخليفة الأندلسي المسلم عبدالرحمن الناصر الطبيب اليهودي "حسداي بن شبروط" وزيرا للخارجية لدولة الأندلس في العام 941م. وهذا يُعطي انطباعا بأن التعايش وتقبل اختلاف الآخرين هو من صميم أخلاقيات الإسلام. في العصر الحديث، نرى أن الدول التي تحتل المراكز الأولى كأفضل دول للعيش هي تلك الدول التي ترحب باختلاف الآخرين وتستفيد من ذلك الاختلاف وتسن قوانين تحفظ حقوق الآخرين من عبث المتعصبين والعنصريين. ونجد مثالا على ذلك الدول الإسكندنافية التي شرعت بسن قوانين تكفل للجميع برفاهية العيش السلمي ونبذ الفرقة على الأساس العرقي أوالديني. الدول الإسكندنافية هي ذات الدول التي خرجت بميثاق جديد يوحد القارة الأوروبية التي مزقتها حروب الكراهية والسياسة والتمييز العرقي والديني في قرون مضت وأسمت ذلك الميثاق ب"اتفاقية هلسنكي" التي وافق عليها الأوروبيون عام 1975م. وليس غريبا أن تبتكر الدول الإسكندنافية مثل هذه الاتفاقية وذلك لأنها من الدول السباقة التي ترحب بمختلف الناس وبغض النظر عن أيدلوجياتهم وديموغرافياتهم. فهي التي قامت ومنذ زمن طويل بإعداد وتهيأة الجو لاستقبال المهاجرين الهاربين من ويلات الحربين العالمية الأولى والثانية مستفيدة بذلك من عقول النوابغ الهاربين من الحروب وبالأيدي العاملة التي نفعت بالفعل تلك البلدان وساعدتها في الاستثمار في مواردها. امتدادا لذلك التناغم، نجد العديد من المؤسسات في الدول المتقدمة تستفيد من الاختلافات البشرية الثقافية والعرقية. فالجامعات الأمريكية على سبيل المثال دائما ما تحرص على عمل مناسبات ثقافية تسمى "التبادل الثقافي" تستهدف الطلاب الدوليين المبتعثين فيها للتعليم. والهدف من مثل هذه المناسبات هو التعرف على الاختلافات الإنسانية وكيفية الاستفادة منها في مجتمعاتهم التعليمية والمدنية. وكذلك في بريطانيا، التي أسست مكاتب كثيرة حول العالم بمسمى "المجلس الثقافي البريطاني" ولهذا المكتب أكثر من 100 فرع منتشرة في أكثر من 80 دولة حول العالم تهدف للتبادل الثقافي والتعليمي وكيفية الاستفادة من العقول الأجنبية في أي مكان في العالم وجعلها نافعة لدولة بريطانيا! هذا كله لم يكن يحدث لولا إيمان تلك الدول بان الاختلاف قوة. ومما لاشك فيه أن عدم الانسجام مع الآخرين وعدم تقبلهم يؤدي إلى نتائج سلبية وصراعات بشرية تعود بالبشر إلى سنوات وقرون كالتي شهدت أبشع مظاهر العنصرية البشرية وتؤدي بذلك للإخلال بالأمن وزعزعة أمن الأوطان. ولذلك، الوطن بحاجة للعقل المبدع والمبتكر، ويحتاج للأيدي العاملة بإختلاف مواطنها، ويحتاج للبدوي والحضري ولراعي الماشية والفلاح وللمتدين والمفكر وللصغير والكبير وللرجال والنساء وغيرهم من الفئات الأخرى. هذا هو الاختلاف التكاملي الذي يقود إلى وطن رائع بعيدا عن اختلافات التضاد والصدام. ويجب أن ننظر إلى هذه الاختلافات البشرية بإيجابية وفرائحية وأنها مصدر قوة للوطن كما يقول المثل البرازيلي "فلنحتفي بالاختلاف"! * رئيس قسم العلاقات العامة - معهد الإدارة العامة