كما يبدو واضحاً وجلياً أن احتضان مملكة البحرين بالأمس الأول لأعمال القمة الخليجية السنوية ال(37)، جاء مواتياً في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية تحيط بالمنطقة العربية بل وحتى بالعالم أجمع، تتطلب من قادة دول المجلس، التعامل مع القضايا المصيرية المشتركة لدول المجلس سواء كانت سياسية أم أمنية أم اقتصادية من منطلق المنظور الجماعي، باعتبار أن مجلس التعاون الخليجي يٌعد كياناً إقليمياً موحدا يقع وسط تجمعات تنظيمية لم تَعد تعترف بمنطق التعامل الفردي. وقد جسد هذا المفهوم في التعامل مع القضايا المصيرية المشتركة لدول مجلس التعاون من منطلق العمل الجماعي المشترك وعلى الجانب الاقتصادي بالتحديد، إنشاء المجلس لهيئة خليجية بمسمى "هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية"، لتُعنى بخدمة أغراض بناء تكتل اقتصادي خليجي قوي ومتين، يمكن له وكما أكد على ذلك الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع السعودي، أن يصبح أكبر سادس اقتصاد في العالم، إذا عمل بالشكل الصحيح في الأعوام القادمة. إن الآمال معقودة على هذه الهيئة الفتية، أن تقود العديد من المباردات الخليجية التي بذلتها دول المجلس في الماضي وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمان إلى بر الأمان الاقتصادي، وبالتحديد منذ أن تم إنشاء المجلس في عام 1981، بحيث يتحقق عن ذلك الوحدة الاقتصادية المنشودة لدول مجلس التعاون، التي ظلت لفترة طويلة من الوقت تُعاني من العديد من الإشكالات نتيجة لعدم قدرة دول المجلس على تغليب النظرة الفردية للقضايا الاقتصادية لصالح النظرة الجماعية، مما تسبب في تأخر إنجاز العديد من القضايا والملفات الاقتصادية بشكلٍ كامل ومتكامل يُمكن أن يتحقق عنه اكتمال الخطوات اللاحقة لبناء تكتل وتكامل اقتصادي حقيقي وفاعل لدول المجلس، حيث على سبيل المثال لا الحصر وحتى يومنا هذا لم تكتمل سواء خطوات الاتحاد الجمركي بالشكل المنشود ولا حتى خطوات السوق الخليجية المشتركة، رغم مضي أعوام على إقراراهما، مما تسبب في تعطيل الوصول إلى تكامل اقتصادي خليجي ووحدة اقتصادية تكاملية لدول المجلس، وتسبب أيضاً في تأخر الوصول إلى وحدة نقدية أو عملة خليجية موحدة، والذي كان من المفترض أن يتم في عام 2011. هذا التلكؤُ في تنفيذ القرارات الاقتصادية الخليجية المشتركة طيلة الأعوام الماضية، تسبب في إعاقة وصول دول المجلس إلى بناء تكامل اقتصادي صلب ومتين وحقيقي يخدم أغراض وأهداف الوحدة الاقتصادية المنشودة لدول المجلس على الوجه المطلوب والمأمول، وكما أشرت نتيجة لاعتبارات سيادية بسبب تشبث حكومات الدول الأعضاء بقضايا سيادية وعدم التخلي عنها مقابل تغليب المصلحة العامة لدول المجلس كتكتل اقتصادي على المصلحة الخاصة لكل دولة منفردة على حدى. أملي كمواطن خليجي أن تنجح جهود الهيئة المستقبلية في لحلحلة العديد من القضايا الاقتصادية العالقة بين دول المجلس، بحيث يصبح لدينا اتحاد جمركي حقيقي وواقعي وفعلي يخدم أغراض تدفق وانسياب التجارة البينية بين دول المجلس، وذلك بتخلي الدول الأعضاء عن إستمرار عمل المراكز الجمركية لكل دولة على حدى، وأن يصبح لدينا كذلك سوق خليجية مشتركة حقيقية وفاعلة، إذ لا تزال هنالك العديد من المعوقات والصعوبات التي تواجه اكتمال هذه السوق رغم دخولها إلى حيز التنفيذ في عام 2008. أخيراً وليس آخراً إن وجود هيئة خليجية للشؤون الاقتصادية والتنموية بدول المجلس بمبادرة كريمة من أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، سيمكن دول المجلس من بناء تكتل اقتصادي فاعل وقادر بإذن الله على التعامل مع المستجدات الاقتصادية والتنموية الإقليمية والعالمية، ومتابعة تنفيذ وتسريع قرارات واتفاقيات وأنظمة مجلس التعاون المتعلقة بالجانب الاقتصادي والتنموي، بما يحقق الرؤية السامية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك التي اعتمدها المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي العربية في عام 2015.