الأهم من كل ما سيأتي في هذه الحكاية هو وجود إرادة حقيقية وصادقة لمحاصرة الفساد ومطاردته أينما كان، كما فعلنا ونفعل مع الإرهاب ومهربي المخدرات، وحسب مقولة صاحب كتاب سيكولوجية الجماهير جوستاف لوبون "الإرادة الضعيفة تُترجم بأقوال، والقويّة بأفعال" يعني لا بُكا ينفع ولا شكوى تفيد، بل فعل وفعل فقط. اسمحوا لي في البدء أن أضرب لكم مثلاً ربما يبدو ظاهرياً كأسلوب مُعلّم الصفوف الابتدائية حينما يُبسّط الحكاية على المفاهيم فأقول: لو كان هناك طرائد صيد متعددة تتراءى في نظر الصياد قطعاً سيُعجزه مطاردتها جميعاً في آن حتى لو رغِبَ وتحمّس، لكن لو ركّز جهده على مطاردة إحداها لأمكنه اصطيادها. ربما هذا هو حالنا في حكاية مكافحة الفساد. فالفساد أيّاً كانت فصيلته مثل الطرائد التي تتقافز على مساحات بلادنا الشاسعة، والصياد ليس "شمساً شارزه" كي يكشفها ويقبض عليها مع أذانيها كالأرانب. من هُنا أرى جمع شتات المواقع التي تكثر حولها شكوك الفساد في موقع واحد يمكن متابعته عن قرب بتضييق الدائرة الكبيرة. مشروعات إنشاء المباني الحكومية صغيرها وكبيرها كأشغال. تأجير المباني القائمة للدوائر الحكومية كوسيط عقاري. تأمين الأجهزة والآلات والأثاث والمركبات والمحروقات وخلافها كتموين. شق الطرق وإنشاء الحدائق والمعامل والمصانع الحكومية كمنافع عامة. كل هذه المسارات متناثرة في الأجهزة الحكومية والقطاعات الرسمية وعددها بالمئات، ففي كل وزارة وهيئة حكومية وفروعها في المناطق الإدارية قطاع هندسي لترسية مقاولات إنشاء المباني ومتابعة تنفيذها. وفي كل وزارة وفروعها قطاعات للتأمين والتموين واستئجار المباني. وفي كل وزارة وهيئة حكومية قطاع للتوظيف والترقيات واستحداث الوظائف. يعني تقوم تلك الأجهزة الحكومية بأعمالها التخصصية المنوطة بها، بالإضافة إلى أعمال ليست من اختصاصاتها كالتي ألمحت إليها أعلاه. لتضييق الدائرة ما المانع من إنشاء لا أقول وزارة حتى يقولون (صعبة) بل هيئة عامة مُرتبطة مباشرة برئيس مجلس الوزراء (الملك) تُعنى بشؤون الأشغال العامة والتموين يُنقل إليها جميع الأجهزة والقطاعات الهندسية وإدارات التموين واستئجار المباني وتخضع كل أجهزتها وإداراتها وقراراتها للتفتيش المستمر دون عوائق من قبل "نزاهة". أضحى تضييق الخناق على الفساد مطلباً وهدفاً.