قبل أكثر من خمسة عشرة عاماً كنت قد طرحت فكرة إعادة هيكلة قطاعات الوطن، أو ما يطلق عليه في علم الإدارة "الهندرة"، وهو توجه رشيد تتخذه القطاعات المختلفة الحكومية والخيرية والخاصة، كما تتخذه الدول في كثير من الأحيان، ذلك أنّه يعمل على إزالة الترهلات من الجسد الإداري وتنمية الأداء وتطويره، ويعمل على دمج القطاعات ذات المهام المتوافقة والمتداخلة أحياناً. وبما أننا في هذا الوطن العزيز نعيش "فورة" رؤيتنا الوطنية وتحولنا الوطني، وبما أننا نعسى جاهدين -حكومة وأفراداً- للتعايش مع الظرف الدولي الاقتصادي، وما يتطلبه من ضغط في المصروفات، وعمل دؤوب لرفع الإيرادات.. فإننا باعتقادي بحاجة ماسة إلى العمل على إعادة الهيكلة، ودمج بعض قطاعات الوطن ببعضها، كصناديقنا التنموية على سبيل المثال، وكذلك إلغاء عدد من الهيئات ودمج أعمالها في الوزارات التي تتبعها، فعلى سبيل المثال قد يكون من المناسب إلغاء هيئات مثل الاتصالات وتقنية المعلومات التي يمكن أن تدمج في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهيئة النقل والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية حيث يمكن دمجهما في وزارة النقل، وكذلك الهيئة العامة للاستثمار لتصبح وكالة تابعة لوزارة التجارية والاستثمار، إضافة إلى دمج الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في وزارة المياه والبيئة والزراعة، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لتندمج ضمن وزارة التعليم كوكالة من وكالاتها، وغير ذلك كثير.. ومن المعروف أنّ دمج مثل هذه القطاعات مع بعضها يؤدي في كثير من الأحيان إلى تسريع آلية العمل، إضافة إلى تجويده وخفض التكلفة، وهو ما يتسق تماماً مع فلسفات التحديث والمواكبة والجاهزية التي تقتضيها التطورات المتسارعة محلياً وخارجياً، والتي أصبحت من الشفافية والتوازن وسرعة الأداء، بل وما يسمى الآن بالحكومة الإلكترونية إحدى أهم سماتها ودلالاتها للانخراط في المجتمع الدولي. أكرر هذا الطرح والذي سبق وأن طرحته في مجلة تجارة الرياض في عددها رقم (475) الصادر في 1/1/1423ه، والذي كنت قد عنونته (أفكار جديدة للإصلاح الإداري) وقد أبهجني كمواطن أن أرى كثيراً مما طرحته على أرض الواقع من خلال إعادة هيكلة الوطن بعد عدة سنوات من ذلك الطرح، وهو ما يحفزني كثيراً لإعادة الطرح مرة أخرى بتعديلات معينة. إنّ الترهل الإداري والوظيفي وزيادة الأعباء على الدولة يحتاج منا إلى وقفة صادقة صارمة تتعامل مع الواقع وحساباته واضعة في مقدمة اهتماماتها مصلحة وطننا العزيز.. ودمتم.