"لماذا أَعفى سيدنا الفاروق سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنهما؟". ستجد أن الإجابة الحاضرة مباشرة في أذهان الكثيرين، ستكون بأنه كي لا يفتن المسلمون فيتكلوا على خالد، وينسوا التوكل على الله عز وجل. ولكن، هل هذا كل شيء؟ أطرح عليكم أربعة أسباب إدارية قد تكون خلف هذا القرار كما يلي: أولا) تثبيت حكم السياسي على العسكري: رغم كل النجاحات العسكرية لسيف الله المسلول، لكنه يظل في نهاية الأمر عسكرياً خاضعاً لإرداة القيادة السياسية. ولعل أحد جوانب العظمة في شخصية خالد بن الوليد انصياعه للأمر، وتحوله لجندي بالجيش. وتخيل كيف كان سيكون مصير الإسلام لو أن خالداً تمرد وقاد انقلاباً عسكرياً؟ وفي كتابه (العرب وتحديات العلم والتقانة) يعلق د.انطوان زحلان بأن محمد علي باشا، وجمال عبدالناصر، وصدام حسين على مدى عقود كرروا نفس الأخطاء بالتركيز على القوة العسكرية، مع إهمال التنمية الشاملة. ولا يفهم من هذا الطرح استنقاص قدرات العسكر، الذين أسهموا بتقدم البشرية في ميادين كثيرة، كالانترنت والطاقة النووية، وبحوث العمليات وغيرها. ثانيا) إعطاء الفرصة للكفاءات الجديدة: في الإدارة اليابانية مبدأ يطلق عليه (هيوجونكا) ويعني المعادلة بأن تجعل مستويات كفاءات الموظفين متساوية. ولهذا الهدف يتم نقل أفضل الكفاءات بكل قسم إلى قسم آخر، ليرفع بقية الموظفون مستوياتهم إلى مستوى زميلهم الذي غادرهم ليكتسب خبرات جديدة بأماكن أخرى. ثالثا) اختلاف الظروف بالبيئة المحيطة: في الوقت الذي احتاج المسلمون فيه للقادة العسكريين كخالد بن الوليد وقت الفتوحات، جاءت فترة الفاروق لتتركز الحاجة على بناء الدولة وتمكين أصحاب القدرات المدنية. ولهذا السبب وبعد فترة من إعفاء سيدنا خالد، جاء التكليف لعدد من الصحابة لتولي الحكم المدني والعسكري في مدن الشام تحت إشراف أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم. رابعا) التحول من الإدارة اللامركزية إلى الإدارة المركزية: في الوقت الذي كان فيه سيدنا أبوبكر رضي الله عنه، يميل في طريقة حكمه وإدارته للدولة، إلى تفويض الصلاحيات طالما التزم القادة بالسياسات والإطار العام في نهج تغلب عليه اللامركزية، كان سيدنا الفاروق رضي الله عنه مركزياً في حكمه وإدارته، وحريصاً على الاطلاع على التفاصيل، وتسيير الأمور في الأقاليم من العاصمة. وهذا النهج المركزي الأخير لم يكن ليتناسب مع طريقة خالد القائد الفذ في الميدان، والذي كان يميل لاتخاذ القرارات دون انتظار التعليمات أولا بأول. ونحن هنا لسنا بصدد المفاضلة، فكل طريقة لها مزاياها، وكلهم رضي الله عنهم قادة أكفاء، وان اختلفت أساليبهم الإدارية. وأخيرا، كما تتجلى عظمة خالد بن الوليد في انتصاراته العسكرية الكاسحة، فقد كانت طاعته وانصياعه للأوامر بإعفائه، وانتقاله ليكون جندياً، بعد كل تلك الانتصارات أحد أعظم الدروس الإدارية التي تركها سيف الله المسلول لكل عسكري، ولكل قائد، ولكل عاشق للنجاح.