من هواياتي الجديدة أن أتفرج على عالم الحيوان على اليوتيوب.. أستمتع بصراع البقاء.. يحزنني أحيانا أن أرى مجموعة كبيرة من الأسود تنقض على حمار وحشي وحيد، أين الشجاعة وأين الفروسية وأين الأنفة؟ عشرة أسود أشاوس على حمار واحد. ثمة مناسبات يحقق فيها الحمار نجاحات تدهشني.. يجعلني أشكك في سمعة هذا الحيوان المتهم بالغباء والجمود.. في إحدى المرات استطاع حمار أعزل جر مجموعة أسود بذكاء إلى النهر وتدبر أموره وفر بجلده كما نقول.. كلا الحيوانين عبرا عن عكس ما كنت أعرفه عنهما.. لم تستطع أشاوس الغابة التهام الحمار رغم جبروتها. وفي الوقت نفسه تفتق ذهن الحمار عن حيلة لا مثيل لها في سجلات تاريخه عند البشر. كتبت مرة عن الأسباغ، أن يسبغ البشر حيواتهم وآلامهم وأخلاقهم على الحيوانات، يعطي الأسد صفة الشجاعة والحمار الغباء والصقر الأنفة وهكذا صفات لا يعرف عنها أصحاب الشأن شيئا.. من المسلمات التي يتبادلها البشر أن الأسد لا يأكل إلا من عرق جبينه، والضباع تأكل الفتات والجيف.. علمني اليوتيوب أن الضباع أبرع وأفضل وأكثر من الأسود قدرة على الصيد. ويعاني مما هو أسوأ. لاحظت أنه يتطفل كثيرا على غنائم الضباع. التفرج على حياة الحيوان يصفي ثقافتك من أوهام كثيرة تم حشوها بالأشعار والتشبيهات وقصص الحكواتية.. معظم ما نعرفه ونؤمن به عن الحيوان قبل عصرنا الحديث لا قيمة له. كالثعلب المكار والثعبان الغدار والذئب الذي يغلق عينا ويفتح الأخرى أثناء النوم... الخ. الطبيعة كما عرفنا مؤخرا تتصف بنظام صارم، كل حيوان يعيش على حساب حيوان آخر، هذا ما يسميه علماء الطبيعة بالتوازن البيئي، بدونه تهلك الكائنات الحية بما فيها الإنسان نفسه. في إحدى المرات تابعت مشهدا آلمني أشد الألم، في كل مرة أشعر بألمه أذكر نفسي بأني أعيش عالما غير عالمي وكائنات غير الكائن الذي أنتسب له.. بعد رحلة صيد مضنية أحضرت لبوة فريسة لصغارها، أثناء التناول انقض نمر على الفريسة واختطفها من أمام الصغار وركض وصعد بها شجرة، لحقت به الأم، ومن شدة اندفاعها قفزت وأمسكت بأحد الأغصان ثم ارتقت أكثر من غصن؛ ولكن خبرتها في تسلق الأشجار خانتها فهوت على الأرض.. لم تستطع أن تنهض بعدها.. من الواضح أن ظهرها انكسر، أخذت تغيب عن الوعي.. بعد قليل غادرت الحياة، دون تردد انقض عليها صغارها وأخذوا ينهشون لحمها وكأنها لم تكن أمهم، وكأنها لم تمت من أجلهم قبل قليل، هكذا بكل بساطة. أيام وأنا أفكر في الموضوع.. أقلبه بين النظرة العاطفية والنظرة الواقعية.. شيء مؤلم أن يأكل الأبناء أمهم التي ضحت من أجلهم بحياتها. لكن من الزاوية الواقعية رأيت شيئا آخر.. أمر لا بد منه. لم تعد ماما سوى جثة هامدة.. إذا لم يأكلها صغارها سيأتي الضبع ويأكلها، وربما يأكل الصغار أيضا، المسألة لا تحتمل العواطف المايعة.. قد يكون هذا التصرف المشين جزءا من نداء الطبيعة.. يبقى شيء آخر يمكن البحث فيه.. الحيوان يخلو من النفاق.. كثير من البشر يفعل هذا بطريقة بشرية.. من ينتظر أن يموت والده لكي يرثه لا يختلف عن الحيوان إلا بدمعتي النفاق اللتين سوف يذرهما على قبر المرحوم.