د.محمد بن فهد الحامد العالم اليوم يتسارع في التغير اقتصادياً. العديد من الدول النامية غدت تنصرف عن الاعتماد على الثروات الطبيعية متجهة إلى الصناعات المتخصصة معتمدة في ذلك على الخبرات المحلية المدربة. إن برميل النفط الذي يساوي اثنين وأربعين غالوناً على المقياس الأميركي من النفط يلعب دوراً أساسياً في قوة الاقتصاد العالمي لمعظم الدول. فمع الانخفاض الحاد في أسعار النفط اليوم ومقاربته لحدود الثلاثين دولاراً، فقد أصبح حتمياً على معظم الدول الترشيد في وسائل إنفاق الدخل الناتج عن هذه الثروة الطبيعية. وتختلف اليوم وسائل وقنوات الصرف لمعظم الشعوب فيما يتلقونه من دخلهم المحلي الاجمالي على حاجاتهم الخاصة. لقد أصبح شغف العديد من المجتمعات حول العالم يزداد تعلقاً بالتقنية وملاحقة ما هو جديد في عالمها. لعل آخر الأخبار التي نتداولها اليوم تتعلق بأحد الهواتف الأميركية المحمولة الذي صدر مؤخراً في نسخته السابعة. نلحظ جميعاً دون أدنى شك ما حققته تلك الشركة من نجاحات في أرقام المبيعات عوضاً عن التقدم التقني الملموس الذي تحققه بتفوق من نسخة إلى أخرى رغم تكلفته العالية وانعزال أسعاره الكامل عما يدور في فضاء الاقتصاد من ذبذبات أثرت كثيراً على العديد من الصناعات وخاصة التي تستخدم المواد النفطية منها. إن الاستثمار في التطبيقات الحاسوبية والبيانات الرقمية لم يعد اليوم خياراً مطلقاً. التقارير الاقتصادية تؤكد بشكل مستمر ارتفاع الطلب العالمي على الأجهزة الالكترونية بشكل عام، بالإضافة إلى وجود عدد من الشركات ذات رؤوس الأموال الضخمة لا تقدم أو تبادل منتجات ملموسة سوى إمبراطورية من التطبيقات والبيانات المتنقلة بين القارات. قد يتوارد إلى ذهن القارئ الكريم أن الصناعات ومنها البرمجية تحتاج إلى بيئة مناسبة منافسة مدعومة من قوى عاملة ذات كفاءة تقنية عالية قد لا تتوفر في معظم الدول النامية. هذا وإن كان ذلك صحيحاً في مجمله العام، إلا أنه يوجد من يخالف ذلك المنظور. الأرقام اليوم تصنف المحتوى العربي على أنه يحتل المرتبة الثامنة عالمياً وإننا وإن كنا لا ننتج تقنياً بشكل مباشر إلا أن العالم اليوم يستثمر في الاستخدام الذي نشاركه مع العالم. فعلى سبيل المثال، إحدى شركات التسجيل المرئي الشهيرة والتي يتداول مقاطع الفيديو فيها جيل الشباب اليوم في بلادنا، استثمرت ملايين الدولارات عبر الشركاء المحليين في الخليج العربي لدعم ما يحققونه من إيرادات ضخمة حصيلة الإعلان ومتابعة المستخدمين. إن الرسم المذكور للوضع ليس من منظور اقتصادي بل من منظور صناعي للتقنية. تستطيع شركات التقنية دعم الاقتصاد الأميركي بإيرادات ضخمة في حال صعود أسعار النفط لأنها تزيد من قدرتنا الشرائية كمستهلكين. لذلك هذا الجهاز المحمول الصغير له تأثير اقتصادي فضلاً عن التأثير الثقافي لما يحتويه من منصات تجارية وثقافية عبر البرامج التي يحملها. إن مستقبل أعمالنا واقتصادنا لابد أن يدور حول عالم الإنترنت الذي غير نمط الأعمال والإنتاج والاستهلاك حتى الوصول إلى الحكومة الرقمية والأعمال الإلكترونية. إن التقنية التي نملكها اليوم تمهد لنا مستقبلاً مليئاً بالروبوتات الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد وصولاً للسيارات ذاتية القيادة. لذلك، لنتصور ولو للحظة كم سنتكلف من مدخراتنا الخاصة في سبيل حصولنا على ذلك الجهاز الخليوي في المستقبل.