تشغل قضية التعليم ومشكلاته معظم بلدان العالم إلى درجة أصبحت هذه القضية تتصدر سلم الاهتمام لدى الحكومات الغربية أو ما يسمى بالعالم الصناعي لارتباط مسألة التعليم بالتطورات المتلاحقة فى ميادين الحياة المختلفة واستشعار الجميع بأن التعليم يمثل وعاء للحضارة أو محطة عبور نحو التطور وتحقيق آمال الشعوب وتطلعاتها فى هذا العصر الذى صارت فيه مفردة (الثوره العلمية) هي العنوان الذى يفرض نفسه ولا يترك موضعا لسواه. ولاستشراف أقرب نقطة ممكنة سنجد ان دولا كثيرة باتت تنفق نسبة عالية من موازناتها السنوية على تجويد مخرجات التعليم وتحصين الاجيال الجديدة بالقابليات المعرفية والفكرية والعلمية انطلاقا من تحسين طرائق التعليم وتقنياته ومن هذه الزاوية نستطيع ان نقول ونحن مطمئنون انه ومن بوابة التعليم تمكنت مجتمعات عديدة من تجاوز مشاكلها وعوامل انكسارها فاليابان على سبيل المثال ورغم ما اصابها من دمار الحرب العالمية الثانية وضربها بقنبلتين ذريتين عام 1945م استطاعت ان تنهض من كبوتها وتحقيق معجزتها الاقتصادية لتغدو اليوم الاقتصاد الثالث عالميا بعد الولاياتالمتحدةالامريكية والصين بفضل امتلاكها لنظام تعليمي حديث ومتطور ومدرسة تنبض بالإبداع والابتكار والإطار الفكري الذي كان له الدور الابرز في جعل الفرد الياباني فاعلا نهضويا حقيقيا في مجتمعه وعلى غرار اليابان استلهمت كوريا الجنوبية عقب انتهاء الحرب الكورية عام 1953م المسار العملي للنهوض فاتجهت نحو الارتقاء بالتعليم بعد ان وجدت فيه المنطلق للحاق بركب العصر ومواكبة متغيراته وخاصة في جوانبه العلمية والاقتصادية وعلى ذات السياق خلصت سنغافورة الى نتيجة مفادها ان التعليم هو المحرك لتقليص المسافات والارتقاء بواقعها والتحول الى كيان مؤثر بين البلدان المتقدمة. وإذا كان هذا هو حال الاخرين الذين تلمسوا كيفية بلوغ معايير الترقي الاجتماعي وخلق بيئة امنة ومستقرة لمجتمعاتهم فأسعفتهم حواسهم الذكية الى قضية التعليم ورفع مستوياته والانتقال به من طوره البدائي الى دائرة التخطيط الاستراتيجي.. فما هو حال العرب وهل مازالوا بحاجة الى اثبات ان التعليم هو رهان هذا العصر لاستنهاض قدراتهم واختزال الفجوة بينهم وبين الاخرين؟ خصوصا وان هذه الحقيقة البينة تشي الى ان وضعية التعليم في المنطقة العربية تقف في اسفل كل البيانات الخاصة بالتعليم في العالم وهو ما يمكن اعتبار ذلك واحدا من مفاتيح فهم حال العرب المتردي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والسياسية. على مدار ثلاثة ايام تابعت قبل فترة مناقشات اوضاع التعليم في المنطقة العربية في اطار مؤتمر عقده وزراء التعليم بالدول العربية بمدينة شرم الشيخ المصرية ومن دون مبالغة فقد جاءت الارقام عن واقع التعليم في هذه المنطقة صادمة ومؤلمة في آن ففي التقرير العام الذي اعدته منظمة اليونيسكو عن واقع التعليم العربي ذكر ذلك التقرير ان واحدا من بين كل خمسة شباب عرب لم يكمل تحصيله العلمي الابتدائي أي ما نسبته 20% يضاف الى هؤلاء الذين يطلق عليهم تسمية المتسربين من التعليم والذين تصل نسبتهم الى 27.1% من اجمالي عدد السكان في المنطقة العربية ولم يتوقف الامر عند ذلك بل ان التقرير قد كشف عن فشل الدول العربية تماما في معالجة تدني جودة التعليم وطالب بضرورة اعادة النظر في النظم التعليمية التي مازالت تعتمد على فكرة تعليم القراءة والحساب على النحو الذي لم يعد منطقيا بالمقارنة بما وصلت اليه النظم التعليمية في البلدان الاخرى التي وضعت اساسات حديثة ترسم افاق التعليم باعتماد معطيات اليوم وحقائقه. من المؤسف اننا كعرب نتحدث كثيرا عن التعليم ونجتر تفاصيله وننقسم حول تقييم مشاكله وتحدياته لكننا سرعان ما ندير ظهورنا ونشيح بوجوهنا عن استحقاقات اصلاحه ومع ذلك يبقى من الامانة ان نشير الى انه وسط هذه الحالة القاتمة تبرز نقطة بيضاء وهو ما يصح ان نطلق عليه (الاستثناء السعودي) فالحقيقة ان المملكة ومنذ سنوات قد اتجهت الى امتلاك فلسفة تعليمية وإستراتيجية واضحة للنهوض بالقطاع التعليمي بكل مناحيه وانها من خصصت الاموال الكافية لانجاز هذه الاستراتيجية ليصل انفاقها على التعليم الى نحو 25% من ميزانيتها السنوية لتحتل بذلك الدولة الاولى خليجيا وعربيا في حجم الانفاق على التعليم وهذا الاستثناء لاشك وانه نابع من صلب التفكير العقلاني السوي الذي ينظر الى التعليم على انه المضمار الكياني الذي ستطل به المملكة على المستقبل بعقل استراتيجي ومرتكزات ثابتة وراسخة تحمل كل مفردات الرخاء للفرد والمجتمع.