فنسنت فان غوخ واقعه الذي عاش فيه يشير للبؤس والتشرد ولكنه كان يؤمن بأن شيئا عظيما سيولد منه..أزال كل العوائق للاتصال مع العالم الآخر ..هذا العالم الذي خلد اسمه حتى زماننا هذا.. العالم الذي ارتبط فيه بحب و جمال وسلام.. ليحصد كل هذا الحب والجمال والسلام من عشاقه.. فنسنت فان غوخ Vincent van Gogh (1853 – 1890م).. هذا الفنان الذي كان رمزاً للحب والإخلاص، الذي أخذ يبحث عن رسالته في الحياة بحب الخير للمحيط من انسان، طير، زهرة، في كل شيء كان يلامسه ويستشعره بشفافية.. وجد ذلك في الفن الذي أصبح هو رسالته في الحياة.. "الفن منه وفيه تجد الحقيقة المغيبة".. هكذا رآه فان غوخ..من ذلك أخذ ينظر للجانب المشرق المستقبلي في كونه الداخلي لينعكس على لوحاته.. عشق الشمس ونورها الوهاج الذي أسقطه على الأزهار بجمال تجعلك تلامس أدق تفاصيلها، أحب ضوء القمر وانارته الخافتة المتلألئة المنعكسة على الأرض الدنيوية.. أثبت أن الفن لا يورث ولا يدرس فقط , إنما هناك جزء خفي فيه, إنها الروح الأصيلة المرتبطة في الزمكانية, روح تجعلك تعيش عالم خاص في العالم الكوني, لتنتج ثمرة متفردة لها رونق الصدق الداخلي وهي لب حقيقة الفنان .. عند التأمل الفاحص لتاريخ فان غوخ نجد أن المؤشرات كلها كانت في غير صالحه.. حيث كثر المعارضون لأسلوبه والناقدون لفنه.. تأثر وتألم إلا أن ذلك كان من صالحه ليقف بقوة داخلية أمام ذلك سامعا لندائه الداخلي" فان غوخ .. أنت فنان عظيم سيخلده التاريخ" إنها عبارة قد تكون غير مقنعه للأشخاص الذين ليس لديهم الوعي التام لذواتهم.. لكن فان غوخ سمع نداء قلبه وأخذ يبحث عن الحقيقة من خلال الفن.. لم ينقد ولم يعارض الآخرين.. كان يعمل بصمت واحساس دفين أنطق لوحاته لتحكي معنى الحياة.. من أنت يا فان غوخ لتبعث إلينا هذا الجمال؟! كيف لامست أرواحنا بنقائك؟! ولماذا لوحاتك تَصمت عندها الألسنة لتنطق أرواحنا؟! هل لأنك كنت تعمل بشغف الفن أم صدقك أم احساسك المرهف لعالم غير مدرك أم لأنك أوجدت الحقيقة الأزلية للجمال؟! ما زلت أذكر تلك اللحظة التي التقيت بها في اللوحة التي أدهشت الجميع .. اللوحة التي أكسبتها روحك المنتقلة لعالمنا.. لوحة " عباد الشمس" كانت لحظة حلم الغفوة.. شغف اللقاء.. روح الحب.. مشاعر مختلطة نقلتني لعالم ساحر عشته بكامل تفاصيله في عالمك الفني الخلاب.. يا لجمال ما رأيت من كثافة لون وضربات فرشاة و ألوان دافئة .. خيل لي أني أعيش في القرن التاسع عشر أتنفس رائحة الزهر وأتأمل ألوان الطبيعة في صيف جنوبفرنسا. هل أنت مجرد فنان!!.. أم روح الفن تنهل منك لتلهمنا هذه اللحظات المدهشة..إنك حياة متمثلة في قوالب ناقلة لها.. قوالب مفعمة بالحيوية والطاقة والحضور.. فنسنت فان غوخ لم يدرك في عقله الواعي أنه سيكون جمال الحياة في المستقبل.. ولكن عقله اللاوعي أخبره أن هناك شيئاً ما, هذا الشيء الذي بعث فيه نور الأمل والاستبصار، مخلداً صورًا من الحقيقة العظمى.. هكذا هم العظماء في زمنهم يعيشون في واقع محصور لكن بإدراك غير محصور.. كانت حياته بائسة.. لكنه عاش حياة زاهرة بنقاء فنه.. أنطق الأزهار بروحه.. جعل الأزهار لغته المميزة بالفن والمتحدثة باسمه من العالم اللامدرك للمدرك.. ليجعل الآخرين يتذوقون لحظة اللقاء الحقيقية مع ذواتهم الخفية بجمال وسلام ونقاء.. * استاذ مساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن زهرة عباد الشمس، لفان غوخ