قرأت مؤخراً تقريراً هزيلاً نُشر في صحيفة أجنبية ناطقة باللغة الانجليزية بعنوان: "طيارون يحوّلون قمرة القيادة إلى ساحة للعب ولأخذ صور سيلفي"، وكان واضحاً من أسلوب الكاتب أن لديه فيما يبدو فوبيا من الطيران ووجد نفسه بدون أن يشعر مذعوراً من مجرد التقاط الكابتن لصور سيلفي داخل المقصورة. تقرير الصحيفة ذهب لأبعد من صورة السيلفي لاستنتاج أكثر غرابة حين ادعى أن مساعد الكابتن على الرحلة الماليزية المفقودة MH370 سمح لراكبتين دخول المقصورة أثناء الرحلة كإشارة لاستهتار الطيار، مع العلم أن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما حدث لتلك الرحلة هو الاستماع لمحتويات الصندوق الأسود للطائرة والذي مازال مفقوداً حتى اليوم! وتسبب هذا التقرير في موجة غضب كبيرة بين العاملين في قطاع النقل الجوي، ليس في الدولة التي صدر فيها التقرير الصحفي بل حتى حول في عدة دول حول العالم، وقرأت عدة مقالات ردت على الادعاءات التي أوردها الصحفي كتبها متخصصون في الطيران يشجبون سماح الصحف لصحافييها بكتابة معلومات مغلوطة دون الإلمام بقوانين وإجراءات الطيران المدني. المثال الذي أوردته أعلاه هو نسخة أجنبية لما نعانيه بشكل شبة مستمر في صحافتنا المحلية من تسرع الصحفيين في الكتابة حول شؤون الطيران دون وجود حصيلة معرفية كافية تؤهلهم لنقد سير العمل في مجال الطيران. مجرد بحث بسيط على الانترنت عن آخر العناوين الصحفية التي تتناول شؤون الطيران في السعودية، نجد أن أبرزها للأسف قائم على مغالطات وأن كثيرا منها مرتبط بتجارب سيئة للكتاب مع هذه شركات الطيران المحلية. لقد استطاع الإنسان الطيران منذ أكثر من 100 عام ومازال الطيران يعتبر أكثر المجالات تطوراً وتقدماً وتعقيداً ما يحتم على الصحفي أن يضاعف من جهده في الارتقاء بحصيلته العلمية في مجالات كثيرة لا يتسع المقام هنا لحصرها. طبعاً شركات النقل الجوي ليست بريئة بالكامل بل وتتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في تشكيل الصورة النمطية عنها لدى المسافرين وهناك إهمال وتقصير واضح ولكن هناك الكثير من الحقائق التي يجب على الصحفيين توضيحها بطريقة مهنية وبعيداً عن المواقف الشخصية. هناك في المقابل أسماء لمعت في صحافة الطيران بعضهم كانوا طيارين، واشتهروا ككتاب مثل الكابتن باتريك سميث الذي ألف كتابا قيما جداً بعنوان Cockpit Confidential أنصح كل صحفي مهتم بالطيران بقراءته وهو متوفر في المكتبات في الخليج (باللغة الانجليزية فقط للأسف). وهناك أيضاً حسابات في تويتر جديرة بالمتابعة لصحفيين أمضوا عشرات السنوات في الكتابة عن الطائرات والطيران وخدمات النقل الجوي مفيد جداً متابعتهم. من المهم أيضا متابعة حسابات كبرى الشركات المصنعة للطائرات على تويتر ويوتيوب مثل بوينج وايرباص وبومبردير وغيرها، ففيها مواد ثرية يمكن أيضا الاستفادة منها في صنع مواد إعلامية تضيف للقارئ بعد أخذ الإذن من أصحاب الحقوق بدلا من متابعة حسابات وهاشتاقات التشفي والسب والشتم التي لا تغني ولا تسمن من جوع.