يروي الكاتب الإداري الشهير (موجي كيم) قصة عن أحد المديرين في الشركة التي كان يعمل بها. كان ذلك المدير يحقق دخلاً سنوياً يبلغ بضعة ملايين دولار أميركي. ومع ذلك كان الرجل يستخدم جهاز جوال قديم لا تستغرب لو تم عرضه ضمن مقتنيات متاحف الآثار. كما أن سيارته كانت من النوع العتيق الذي أصبحت لا تشاهده في الطرقات والشوارع. دفع الفضول موجي ليسأل مديره: "لماذا لا تقتني جوالاً حديثاً وسيارة جديدة؟". فأجابه المدير: "لأن كل ما يهمني في الجوال هو أن استطيع استقبال وإرسال المكالمات ولا أريد أن أضيع موارد الأرض في شيء لا أحتاجه! أما السيارة فلا تهمني الفخامة والمظهر بل في أنها وسيلة انتقال اقتصادية لأقضي مشاويري، هذا كل ما في الأمر! وفي صيف عام 1994م شاركت في رحلة طلابية ميدانية نظمها النادي العلمي السعودي لفرنسا شملت مصانع طائرات حربية ومعهد لويس باستور وغيرها من المؤسسات. وكان أحد زملائنا المشاركين طالبا سعوديا من أم ألمانية، يرتدي طوال أسبوعين نفس اللباس يومياً. الأمر الذي أثار دهشتنا خاصة وأنه من عائلة ميسورة الحال. وفي نهاية الرحلة اكتشفنا أن صديقنا كان عنده طقمان من نفس اللون والشكل! ورغم دهشتي من ذلك الموقف وقتها اتضح لي أن تلك الظاهرة ليست غريبة. فحسب ما قرأت أن الرئيس الأميركي الحالي والذي سيودع منصبه قريبا (باراك أوباما) لا يلبس سوى لونين محددين من ربطات العنق. ومؤسس شركة فيسبوك (مارك زوكربيرغ) معروف بزيه الموحد الذي يلبسه يوميا. ونفس الأمر ينطبق على مؤسس شركة آبل (ستيف جوبز) والذي كان يدوام بقميصه الأسود وبنطلون الجينز. لكن السؤال الأهم هو لماذا يفعلون ذلك؟ الجواب هو أن هؤلاء القوم ليس عندهم وقت يضيعونه في اختيار القميص أو البدلة أو ربطة العنق. فهذا الوقت الثمين من الأولى استغلاله في أمور أكثر أهمية. ليس هذا فحسب بل القوم يعتبرون إنفاق الأموال في رفاهيات لا داعي لها نوعاً من التبذير. وتعليقاً على هذه القضية، يقول خبير علم النفس (توماس جيلوفيتش Thomas Gilovich) إن الناس الذين ينفقون على التجارب والخبرات من سفر وهوايات أكثر سعادة من أولئك الذين ينفقون أموالهم على الأشياء المادية من ساعات فخمة وجوالات جديدة وغيرها. ورغم تساوي الطرفين في السعادة اللحظية في البداية إلا أنه ومع مرور الزمن يبدأ المستثمرون في الخبرات بالشعور بسعادة أكبر بهذه التجارب التي أصبحت جزءا منهم بينما يبدأ أصحاب الإنفاق المادي بالشعور بالندم وتتناقص الفرحة بذلك الشيء الذي دفعوا فيه مبالغ باهظة. باختصار، لكل امرئ الحرية في أن يشتري ما يشاء من الأشياء الفاخرة، ولكن نتذكر أن الحياة ليست بالسيارات والجوالات بل مجموع الذكريات التي نصنعها ومشاعر اللحظات التي عشناها وجعلنا الآخرين يشعرون بها.