من آخر أخبار مسيرة الإنسان في استكشاف الكون هو خبر اكتمال بناء تلسكوب فضائي جديد ليكون خلفاً لتلسكوب هابل المعروف. ولمن لا يعرفه، إذا شاهدت صوراً مبهرة للفضاء بمجراته وأتربته وغازاته؛ فالأرجح أنها من مخرجات تلسكوب هابل الذي علمنا الكثير عن الفضاء والكون. أما التلسكوب الذهبي الجديد، فقد سمي باسم "جيمس ويب"، ثاني مديري ناسا. وهو -التلسكوب- على موعد مع رحلة إلى خارج الأرض في أواخر عام 2018م؛ ليباشر عمله في رصد الفضاء والكون لمدة خمس سنوات. بشراكة بين أمريكا و16 دولة أخرى، فإن تكلفة التلسكوب الذهبي تزيد عن ثمانية مليار دولار (دفعت أمريكا معظمها)! وهو رقم قد يبدو مخيفاً لمشروع علمي كهذا، وخصوصاً في نظر المجتمع العربي! ولكنها ليست المرة الأولى التي تفعلها الدول المتقدمة علمياً. مثلا، تكاليف مرصد هابل وصلت إلى نحو تسعة مليارات دولار بنهاية عام 2006م (ويكيبيديا). سيجعل ذلك التلسكوب الذهبي الإنسان شاهداً على ولادة ونمو المجرات قبل نحو 13 مليار سنة، ومن ثم النجوم والكواكب، بتفاصيل لم نعرفها من قبل. بل وسيمكننا من اختلاس نظرات إلى كواكب بعيدة تشبه الأرض. عموماً، لكي يكون التلسكوب نقلة نوعية عن هابل، فإن مرآته أكبر من مرآة هابل بنحو ثلاث مرات. وفي حين أن هابل يقع على بعد 550 كيلومتراً عن الأرض، فإن تلسكوب جيمس سيكون أبعد عن الأرض من هابل بنحو 3000 مرة! وهو بحق "قفزة فيليكسيّة" (إشارة لقفزة فيليكس) في التقنية والإمكانات والأهداف العلمية. ولكن؛ ما تأثير هذه النقلة في علمي الفيزياء والفلك؟ هل ستكتفي بتحديثات مبهرة ولكن متوقعة في دقة حساباتنا ومعارفنا؟ أم ستحدث ثورة جديدة في فهمنا للطبيعة؟ لا أحد يدري! يُحكى في أساطير الفيزياء أن الفيزيائي الإنجليزي (كلفن) قال -عام 1895م- ما معناه: إن الفيزياء مكتملة ولا يوجد فيها ما هو جديد ليُكتشف، وأن كل ما تبقى هو المزيد من الدقة في الحسابات. ولكن، ما أن مضت خمس سنوات من تاريخ تلك المقولة المزعومة حتى كسر الواقع شوكة ذلك الغرور والجهل؛ إذ بدأت في عام 1900م وما تلاها ثورة جديدة في الفيزياء ما زلنا نشهد آثارها حتى اليوم. تلك الثورة، ما كانت لتكون لولا رسوخ مبدأ الاستكشاف في عقول علماء الطبيعة النظريين والتجريبيين وفي قلوبهم. إضافة إلى إيمان مجتمعاتهم وحكوماتهم بأهمية ما يقومون به من مغامرات في العلوم! اليوم، وعلى الرغم من كل الظروف الاقتصادية السيئة في العالم، ما يزال في البشر من يغامر في سبيل الاكتشاف، والتلسكوب الذهبي الأخير هو خير شاهد على ذلك! فبعد عامين، سينضم إلى قائمة مشروعات العلوم التي تتسابق لاستكشاف الكون. ولا أحد يدري من منها سيسبق الآخر في إشعال ثورة جديدة في العلوم.. ولكن ستبدي لنا الأيام!