وإن كنت بكل تأكيد لا أقلل من أهمية دور جميع الوزارات والهيئات وبقية الأجهزة الحكومية خلال المرحلة المقبلة، وبالذات المرتبط بالنهوض بالاقتصاد والتنمية في المملكة، وتحقيق رؤية المملكة 2030 من خلال برامجها التنفيذية المساندة المختلفة، مثل برنامج التحول الوطني 2020 وغيره من البرامج، إلا أنني وبكل تأكيد سينصب جل اهتمامي في هذا المقال (كمختص مالي واقتصادي)، على أهمية الدور الذي يفترض لوزارة المالية أن تلعبه خلال المرحلة المقبلة، لتصبح بذلك وزارة أكثر تفاعلاً وديناميكية واستجابة للظروف والمتغيرات، لاسيما حين الربط بين مهام واختصاصات الوزارة الحالية وما تتطلبه ظروف المرحلة المقبلة من دور قد يختلف كثيراً عن تلك المهام والاختصاصات، بما في ذلك المسؤوليات. الحكومة السعودية في وقت سابق تنبهت إلى أهمية الدور المالي الذي يفترض لوزارة المالية أن تلعبه خلال المرحلة المقبلة (كمسؤولة عن ادارة السياسة المالية للدولة)، وقررت تبعاً لذلك التخفيف من الأعباء الإدارية على الوزارة، بفك ارتباط أكثر من جهاز حكومي وصندوق تنموي عنها، مثل صندوق التنمية الصناعية السعودي، والمؤسسة العامة للتقاعد وغيرهم من الصناديق والجهات، وذلك بغرض تمكين الوزارة من القيام بمهامها ومسؤولياتها واختصاصاتها الأصيلة المناطة بها التي أنشئت من أجلها، بالشكل الذي يخدم احتياجات ومتطلبات السياسة المالية. ولكن وعلى الرغم من ذلك التفكيك لمسؤوليات وزارة المالية، إلا أنه برأيي لا تزال هنالك مساحة وفرصة أكبر متاحة أمام الدولة، لتقليص عدد أكثر وأكبر من تلك المهام، بحيث تصبح مهام الوزارة محصورة ومختصرة فقط على إدارة السياسة المالية للبلاد، لا سيما في ظل المتغيرات المالية التي تشهدها المملكة، بمعنى آخر أدق وأوضح، نحن اليوم أحوج لأن تكون لدينا وزارة مالية بشكل وهيئة ومضمون ومفهوم جديد يتواكب مع المرحلة، والذي لا يتطلب فقط فك ارتباطها ببعض الأجهزة الحكومية والصناديق التنموية، وإنما يتطلب إعادة النظر بشكلٍ سريع للغاية ودقيق جداً في مهامها واختصاصاتها، بغرض إزالة واستبعاد ما ليس له علاقة بمهمتها الرئيسة المتمثلة في ادارة السياسة المالية للبلاد بالجودة والنوعية المطلوبة. وبمراجعة سريعة وخاطفة لاختصاصات ومسؤوليات ومهام الوزارة الحالية المنشورة على موقعها الالكتروني، نجد أن الوزارة تغرق في بحيرة من الأعمال التي لا تقع من وجهة نظري في صلب مهمامها الرئيسية المرتبطة بادارة السياسة المالية للمملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، طباعة وإنتاج الوثائق الأمنية ذات القيمة للجهات الحكومية، و الإشراف على أملاك الدولة وحمايتها واقتراح طرق استغلالها، واستملاك العقارات المنزوعة للمشاريع العامة، والإشراف على تطبيق قواعد وإجراءات المستودعات الحكومية، وتنفيذ الخدمات الحكومية المشتركة (المجمعات الحكومية في مناطق المملكة ، ومطابع الحكومة، وكهرباء الناصرية)، وتنفيذ مشاريع المجمعات الحكومية والمنافذ البرية الحدودية. كما أن القارئ والمطلع على إعلانات الوزارة بموقعها الالكتروني، قد تختلط عليه الأوراق وحقيقة الأمور ولا ألومه في ذلك، بل وقد يختفي عن نظره الدور الحقيقي لوزارة المالية في المملكة، ليحسب بأنها وزارة بتاع كله وليس وزارة مالية بحق وحقيقة، وبالذات لو أمعن النظر لبرهة من الوقت في بعض طبيعة الإعلانات ونوعيتها، مثل إعلان الوزارة عن رغبتها في طرح استثمار موقع لإنشاء محطات وقود هنا وهناك بمناطق المملكة المختلفة، وعن رغبتها في تأجير محلين بنشاط "بوفيه ومكتبة". دون أدنى شك أن مثل هذه المهام والاختصاصات والمسؤوليات، التي تضطلع بها وزارة المالية لا يمكن لها من وجهة نظري أن تستمر بهذا الشكل وبهذا المنوال، وبرأيي يجب اسنادها إلى جهات أخرى متخصصة بالدولة، بحيث أن تتفرغ وزارة المالية تماماً للقيام بالأعمال، وكما أشرت التي تقع ضمن تخصصها الحقيقي، كجهة مسؤولة عن إدراة السياسة المالية للمملكة العربية السعودية. في المقال القادم سوف أشخص عدداً من الأعمال والمهام لوزارة المالية، التي يفترض لها التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة، إذا أردنا أن تكون ببلادنا وزارة مالية قوية ومتينة تقوم بواجباتها ومسؤولياتها المرتبطة بإدارة السياسية المالية للمملكة على الوجه المنشود.