صدر عن «منشورات المتوسط/ ميلانو» كتاب «مشاةً نلتقي.. مشاةً نفترق» للشاعر الفلسطيني/ السوري رائد وحش. الكتاب صدر ضمن مجموعة المتوسط المسماة «براءات» - وهي مجموعة إصدارات خاصة فقط بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية. يبدأ الكتاب بقصيدة استهلالية موزونة عنوانها «فاتحة»، بينما تقوم بقية الأقسام على قصيدة النثر. تطرح القصائد أسئلة الحرب والمنفى، على خلفيّة تجربة شخصية عاينت أحداث الثورة السورية، وما ترتّب عليه من آلام وانكسار وفقدان وضياع. ينقسم الديوان إلى أربعة أقسام هي: «شوارع تسير وحدها»، و»بريد الغرباء»، و»من الغائبين إلى الغائبين»، و»مجرد إيقاعات.. مجرد إيقاعات». القسم الأول؛ «شوارعُ تسير وحدها» مشغولٌ بفكرة المنفى، سواء داخل الوطن أو خارجه، ذلك أنّ الحرب في العادة تغيّر وجه المكان وملامحه، وتجعله يبدو مكانًا آخر، فيكون المرء فيه دون أن يكون كذلك تمامًا، والأمر نفسه يحدث مع المكان الجديد الذي يستعصي على تحقيق السكنى والسكينة. القسم الثاني؛ «بريد الغرباء» يأتي بمثابة رسائل شعرية عن حبّ وبيتٍ وحياة مفقودة، ربما هي ليست رسائل بالمعنى المتعارف عليه، لكن الآخر/ المخاطب، في هذه النصوص/ الرسائل، أشبه ما يكون بذريعة لقول أحوال ذاتية، يتخللها الخوف من المجزرة، والرغبة بالحبّ، والشعور العارم باللاطمأنينة، والعودة إلى عالم الأحلام بوصفه ملاذًا أخيرًا للإنسان في الحرب. القسم الثالث؛ «من الغائبين إلى الغائبين» قصائدُ مكتوبةٌ تحت وطأة حضور الموت الطاغي في الحياة السورية منذ نصف عقد، لكنّ الموت في هذه القصائد يأخذ صيغًا وأشكالًا متعددة، فمرةً يكون موتَ شخص قريب في سجون الاستبداد، ومرة يكون عن موتى مجهولين من أزمنة متداخلة، لكنه دومًا موتٌ صنتعُهُ الحرب أو أجهزة الديكتاتورية الوحشية. بدأتْ هذه القصائد كمرثيات لشخص غائب، لكنها تحوّلت إلى حوار مع غائبين كثر، سواء في السجون، أو في الخطف، أو التشرّد في بقاع الأرض. القسم الأخير؛ «مجرد إيقاعات.. مجرد إيقاعات» يقوم على ثلاث قصائد طويلة متفرقة المواضيع، الأولى لوحاتٌ لأحوال الناس في الحرب، والثانية تتشاكل مع سؤال الشعب الكردي عن الحق والعدل والمصير، من خلال ارتداء الراوي لقناع الشاعر الكردي السوري سليم بركات، وكذلك في القصيدة الثالثة تحضر لعبة القناع عبر استعارة سيرة الشاعر البدوي عبدالله الفاضل، الذي أسّس فن العتابا، لكن القصيدة تمضي لتجعل من سيرة ذلك الشاعر المطرود سيرةً جماعيةً لمنفيين تائهين في العراء. وهذا الكتاب هو الرابع شعريًا لرائد وحش بعد دواوينه: «دم أبيض» (2005)، «لا أحد يحلم كأحد» (2008)، و»عندما لم تقع الحرب» (2012)، وهو الخامس بعد الكتاب السردي «قطعة ناقصة من سماء دمشق» (2015). هنا مقتطف من قصيدة لرائد وحش ضمها غلاف الكتاب: أكتب إليكِ من تخوم المجزرة.. رائحة الهواء دمٌ.. طعمُ الصمت الليليّ كراهية مجفّفة.. في اللحظة التي أدق فيها الكيبورد يدقّ آخرون صدورهم بكاةً، ولا يتوقفون عن ضرب الرؤوس بالجدران وجدران الهواء. وبينما ينادون مفجوعين في آذان موتاهم أناديكِ كالمثكول والأرملة واليتيم.. أناديكِ بحرارة الوجع الطازج.. أكتب لأناديكِ لا لكي تردي أو لتأتي، إنما لأطمئن كم تبقى لدي من النداء!