مع سعي بعض وسائل الإعلام الخاصة اللاهث وراء الربح بأي ثمن وجد بعض الفنانون والإعلاميون ضالتهم في ممارسة النرجسية وحب الظهور، بحيث أصبح المشاهد يتابع من خلال شاشات بعض الفضائيات حياتهم وتحركاتهم وحفلاتهم الخاصة وتصريحاتهم الأنانية وتعليقاتهم المملة، ويعرف ماذا يأكلون؟ وأين يسكنون؟ وماذا يشترون؟ وماذا يلبسون؟ وما الذي يعجبهم والذي لا يعجبهم؟ كل ذلك مغلف بالنفاق والتزلف المقيت، بل إن ما يعرض على شاشات الفضائيات بلغ حدا من السخف والسطحية والتفاهة إلى درجة لا تصدق في زمن تعيش شعوب عربية أقسى المحن والمآسي والدمار، وتعاني الجوع والخوف والمرض والتشرد. والملاحظ أن الحضور الإعلامي المكثف لبعض الإعلاميين والفنانين يتوازى مع ضآلة الإنجاز، وهذا ما يؤيد فكرة أن الفراغ النفسي والشعور ربما بالخذلان يقف وراء هذه اللهفة على البروز حتى ولو بالإنفاق غير العقلاني على الشكليات، وقد يتحول هذا الإسراف في يوم من الأيام وبالاً على هؤلاء، فالنرجسية بكل أنواعها لها تكاليفها على الاقتصاد الفردي والجماعي، ونتيجتها معروفة: الوحدة والاكتئاب، وبدل أن يكتسب هؤلاء مكانتهم من العمل الجاد يلجأون إلى هذا الظهور بمساندة المنافقين والطامعين من أصحاب المصالح. لقد أصبحت النرجسية من أشد الأمراض فتكا بالمجتمعات، فالرغبة في البروز والشهرة ولفت النظر والحصول على إعجاب الآخرين وسماع مدحهم -حتى ولو كان نفاقا- أحدث اختلالات في الشخصية عند فئة من الناس نساء ورجالا وفي كل مكان، وما هذا التهالك على الإنفاق على المظاهر، واللهفة على اقتناء الماركات العالمية وترصد كل جديد، وإجراء العمليات التجميلية والولع بأخذ الصور ونشرها إلا من علامات هذه الأمراض. المشكلة أن داء حب الظهور والاستغراق بالذات انتقل إلى الأفراد العاديين وأصبح التميز والتفرد هدفا لهم، فالكل يريد أن يكون متميزا في مظهره وملبسه وسلوكه، وحتى الشهادات العلمية العالية التي يفترض أن يكون هدفها الارتقاء بالمستوى المعرفي والبحثي وتقديم ما يفيد المجتمع أصبحت عند البعض وسيلة للمباهاة وللحصول على الوظائف العليا، والمؤسف أن هؤلاء يوضعون في صف واحد مع من أفنوا سنينا من عمرهم بحثا ودراسة في مجالات مهمة ومنتقاة، وليس مجرد دراسات في موضوعات أجريت في ظل ضعف التوجيه إلى الأبحاث المجدية. على ملاك ومسؤولي وسائل الإعلام الخاصة أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أوطانهم ومجتمعاتهم، ويوقفوا هذا الرياء والسخف الإعلامي الذي يسود في قنواتهم الفضائية، ويعطوا اعتبارا أكبر لقيم العمل والمعرفة والكفاح والإيثار بالشكل الذي يعزز طموح الصغار والكبار، ويزيد ثقتهم في أنفسهم، وفي الوقت نفسه يساعدهم على تقبل ظروفهم والعيش ضمن إمكاناتهم المادية، ولا نغفل هنا أهمية التربية الأسرية التي تقلل من التأثير السلبي لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.