كتبت في مقال سابق عن الملفوف المخمّر، ومن خلال ردود الفعل التي أتتني أدركت أن كثيرا من الناس لا يعرفون ما يكفي عن الأطعمة المخمّرة، أي ما يسمى بأطعمة البروبايوتيك التي تتمحور اليوم في الثقافة السائدة حول الزبادي والمكملات الغذائية فقط. والواقع ان الأطعمة المخمّرة معروفة منذ القِدم. ولو تمعّن الإنسان بميراث الشعوب الغذائي لوجد لدى كل شعب أطعمته المخمّرة المفضلة، فالألمان لديهم الساوركراوت (الملفوف المخمر) وشعوب شرق أوروبا لديهم الكيفير (الحليب المخمّر الذي يختلف عن اللبن لدينا)، واليابانيون لديهم الناتو (فول الصويا المخمّر)، والكوريون لديهم الكمشي (ملفوف دايكن المخمّر)، وشرق آسيا بشكل عام لديهم شوربة الميسو، وفي البلدان العربية هناك الشنكليش والكشك والمش وغيرها، ولدينا في نجد المحزرة والبقل أو المضير (اللبن المجفف). وكلها أطعمة لم يعد الناس للأسف يقبلون عليها بل وتركوها. وبشكل عام للأطعمة المخمرة فوائد قد تدهش القارئ: * تفيد الأطعمة المخمّرة في التخلص من مشاكل الهضم التي يسببها التوتر والإجهاد، فقد نشرت دورية Nutrition Research عام 2008م عن دراسة نوعين من الأطعمة المخمّرة وُجِد أن تناولها يساعد على تقليل اعراض آلام الجهاز الهضمي مثل المغص والغثيان والاستفراغ وحتى انتفاخات الأمعاء. * تفيد الأطعمة المخمّرة في تحسين امتصاص المعادن، فالأحياء الدقيقة النافعة (التي تتكاثر في الغذاء عند تخميره) تساعد على تفكيك المركبات التي قد لا تتوفر في الجسم الإنظيمات الضرورية لتفكيكها والاستفادة منها. وكتاب The Inflammation-Free Diet Plan يذكر ان مركبات مثل حمض الفايتيك، الذي يوجد في قشرة الحبوب والبقول والبذور والمكسرات، يتحد مع الحديد والكالسيوم وغيرها من العناصر الغذائية ويقلل من امتصاص الجسم لها وبالتالي يحد من الاستفادة منها. ومن المعروف أن عمليات الطبخ أو الاستنبات أو حتى نقع الحبوب والبقول والبذور والمكسرات في الماء لعدة ساعات يقلل بشكل كبير من تأثير حمض الفايتيك على امتصاص العناصر الغذائية. وتخمير الأطعمة وسيلة أخرى فعّالة للتقليل من التأثير السيئ لحمض الفايتيك، فقد وجدت إحدى الدراسات ان الأحياء الدقيقة التي تنمو خلال عملية التخمير تفكّك حوالي 90% من حمض الفايتيك في حبوب الذرة والفول وفول الصويا وغيرها من الحبوب. * الأحياء الدقيقة النافعة ذاتها تنتج عناصر غذائية حيث تصنّع بعض الفيتامينات، فالمصدر الأساسي لفيتامين ب12 المهم ولفيتامين ك هي تلك الأحياء التي تنتج من عملية الأيض لديها كما تذكر المختصة بالتغذية مونيكا ريناجل. وتصنّع الأحياء الدقيقة النافعة أيضاً النياسين والبايوتين وحمض البانتوثينيك وحمض الفوليك!! * تفيد الأحياء الدقيقة النافعة في تسهيل هضم الأطعمة، فالملفوف والبقول وبعض الحبوب (مثل فول الصويا) قد تكون صعبة الهضم لكثير من الناس، ولكن تلك الأحياء الدقيقة التي تتكاثر أثناء عملية التخمير تفكك كثيرا من مكونات تلك الأطعمة كما يذكر مؤلِف كتاب The Nourishing Kitchen: Farm-to-Table Recipes for the Traditional Foods Lifestyle. فسكر اللاكتوز في منتجات الألبان الذي يصعب على كثيرين هضمه يصبح سهل الهضم في الكيفير (الحليب المخمّر) بعد التخمير. والملفوف قد يسبب الغازات عند الكثيرين، ولكنه بعد التخمير يصبح سهل الهضم نظراً لأن الأحياء الدقيقة تفكك النشويات فيه. * قد تساعد الأطعمة المخمرة في الوقاية من تسوس الأسنان لأن الأحياء الدقيقة تثبّط نمو البكتريا التي تسبب تسوس الأسنان. * قد تساعد الأطعمة المخمّرة في التقليل من إصابة الرضّع بالإكزيما وبضيق الشعب الهوائية عندما يكبرون، فعند تناول الحوامل والمرضعات للأطعمة المخمّرة تنتقل إلى أجنتهم وموالديهم حسنات الأطعمة المخمّرة مما يقلل بشكل كبير نسب إصابة المواليد بحساسية البشرة وغيرها من أنواع الحساسية.