من أكثر الامراض المرتبطة بموروثنا وذاكرتنا الشعبية والعلاجية مرض "الزكام" وما يندرج تحت هذا الاسم من مضاعفات وأمراض وأوجاع موازية أو متشابهة مثل التهاب الحنجرة واللوز و"أنف العنزة" أو "الوزة" أصل كلمة انفلونزا. الذي يتهم العرب أبناء عمومتهم الساميين بسرقة الاسم أيام حكمهم الاندلس وتحويره الى "انفلونزا" وهو أيضا مرض الخريف او "الصفري" الذي ينتشر أكثر بمثل هذه الايام ويطلق عليه الاجداد عدة اسماء إضافة للزكام والرشح بعضها مسميات تهكمية تسخر من المرض وممن يستسلم له حتى أطلقوا عليه أو عليها "علّة الرخوم" ومرض "الخبول" إضافة الى اسمائها المتعددة والتي تختلف بين بيئة وأختها مثل النشلة, واللبجة, والصدمة وإن كان أصحاب التسمية الاخيرة قد دخلوا في ملابسات طويلة مع بداية ظهور السيارات وانتشارها ومعرفتهم للحوادث التي بدأت تبرز كمسمى أصبح أكثر ارتباطا بالآفة الجديدة وذلك عند ما يصفون مزكوما أو ملبوجا بأنه "مصدوم" ويقولون عنه فلان مصدوم فيذهب معه تفكير السامع مباشرة الى حوادث السيارات وما قد ينتج عنها من اصابات أو وفيات. أما تسميتها بعلة الرخوم التي اخترعها الاباء والاجداد في زمن الكد والكفاح البدني فهي أكثر منها دعوة غير مباشرة عند ما يصابون بالمرض الى مقاومة العلة ومواجهة أوجاعها مهما كانت بالصبر والعزيمة والاستمرار في ميدان العمل اليومي والكد. إذ لا يوجد أي خيار حتى تستمر عجلة الحياة وينتشرون وراء مصالحهم ويكسبون قوت يومهم كما كانت التسمية قاعدة تربوية وتوجيهية يتعلمها الابناء في صغرهم وقبل أن تكبر معهم تكون بمثابة جرعات معنوية حتى لا تعيقهم العلة متى ما حلت بهم عن دور المساندة لأهاليهم في الاعمال التي يكلفون بها في الرعي وزراعة المحاصيل وحتى يعتادوا الصبر وقساوة الحياة ولا يستسلموا لمرض يعدونه بسيطا مثل الزكام. تجيني متى شاءت لها كل وقت ووقت تهزّ البدن والروح ما دونها واقي ولأنهم عرفوا أيضا بالتجربة من خلال تعايشهم مع هذه الانواع من الامراض الموسمية أن مقاومتها بهذه الطريقة من أسباب سرعة علاجها وثمة اعتقاد يؤيدهم في بعضه الطب القديم وكذلك الحديث من أن الزكام بشكل عام يؤدي وبتعبير حديث الى ما يشبه " فرمتة " الجسم يخلصة من بعض السوائل والسموم ويرفع المقاومة يؤيد ذلك ما ذهب اليه ابوبكر الرازي من أن الزكام يفرغ الدماغ من الرطوبة ويخلصه منها ليكون مستعدا للتفكير. فلولا الزكام كما يقول الرازي لبقيت هذه المواد في الدماغ ومنعته من الادراك السليم. وعلى ذلك فقد نسج البدو المتأخرين مقولة مشهورة بينهم على طريقة السجع يقولون فيها (جعل الرمد والزكام يعودنا كل عام) حتى كانوا يرحمهم الله يقلقون عند ما يتأخر المرض عليهم أو على ابنائهم وقد يكون هذا امتداد لما يعتقده العرب من أن الزكام أمان من الجذام, والرمد أمان من العمى, وليس بعيدا أن يكون اعتقادا مبنيا على حديث قيل إنه من الاحاديث الموضوعة ونصه : لا تكرهوا أربعة فإنها لأربعة الزكام فإنه أمان من الجذام ولا تكرهوا الدمامل فإنها امان من البرص ولا تكرهوا الرمد فإنه أمان من العمى ولا تكرهوا السعال فإنه أمان من الفالج. شاعرنا الرائع الامير خالد الفيصل له كما للمتنبي "زائرة مساء" لكن زائرة أو فاتنة خالد الفيصل تلك تبدو في مظهرها لعوبا تجيد الغنج الفوضوي ولها من العشق مقدار ما يجعلها تأتي متى شاءت وتغادر متى تشاء. بعد ما تسكن عظامه بضع ليال. هذه الفاتنة الوفية لو لم يسمها شاعرها "الزكمة" لفاتت على الكثير منا دون أن يدرك من هي. من تكون هذه المتمردة اللعوب وماهي هويتها. يقول خالد الفيصل في قصيدته التي عنونها ب ( الزكمة ): تجي على موعد ومن غير موعد جت وأنا ما دعاني للوصل شوق مشتاق تجيني متى شاءت لها كل وقت ووقت تهز البدن والروح ما دونها واقي وإذا ما هقيت اني من معاشرتها مت تفهق واشوف انه بقى بالعمر باقي وفاها معي يذبح ورا ما تخون وخنت أبا أسمح جَعَله اتلى مواعيد الاشواق أما ابو الطيب المتنبي فإن زائرته التي يظل يراقب وقتها من دون شوق كما يقول فيصدق وعد (بنت الدهر) رضي أم أبى فلا تبيت الا في عظامه فإنه يقول عن لهيب حُمّاها ضمن ميميته المشهورة : وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها.. وباتت في عظامي حقنوني بحقنةٍ للزكامِ حصروه ما بين صَدغي وهامي وهذا شاعر عربي آخر من الشعراء المتأخرين ما كان يشكو آلام مرض الزكام ولم يعره أي اهتمام. بقدر ما كانت شكواه من آلام حقنة العلاج التي اتهم صناعها ومروجيها بقصد تعطيل الزكام عند ابناء يعرب حتى يفتك بهم المرض الاشد وهو مرض الجذام يقول شاعر الحقنة: حقنوني بحقنةٍ للزكامِ حصروه ما بين صَدغي وهامي قالوا احذر إن الزكام خطيرٌ فيه حمى ويجعل الفكر حامي لا تبارح هذا المكان لكيلا يتفشى وباؤه في الأنامِ قُلتُ مهلاً فإن داء الزكامِ قد يُصيب وينتهي بسلام ثم إن الزكام فيه وقاءٌ من أشد البلاءِ داء الجُذام إن داء الجذام داءٌ خطير جلبوه من أرض حام وسامِ جلبوه لكي يدك كياني ويذرني في سكرتي ومنامي ثم قالوا الداءُ داءُ الزكام حاربوه بخنجر وحسامِ مثل هذا كمثل لصٍ أراد نهبَ داري والكلبُ للدار حامي فرمى للكلبِ عظماً بعيداً فاستبقهُ من حبهِ للعظامِ بقي أن نذكر لكم فائدة طبية عن مرض الزكام وعلاجه التي يخيرك أمهر الاطباء عند ما تصر على طلب العلاج بين الوصفتين (أمّ اسبوع واحد) أو (أمّ سبعة أيام)!! . هكذا يقولون في اشارة الى انه لا يتوفر لها علاج سريع غير المكافحة حتى تأخذ كفايتها ثم تغادر بعد أسبوع والفائدة التي نريد أن ننقلها عن متخصصيها هي أنه من الخطأ الفادح استعمال المضادات الحيوية التي تستهدف البكتيريا مع مرض فيروسي مثل الزكام والتي لا تجدي معه هذه الوصفات نفعا بقدر ما نعرض انفسنا لخطر المضادات الحيوية. المتنبي بريشة خالد الفيصل، كثرة الادوية لاتجدي نفعاً مع الزكام، الزكمة لم يتوفر لها علاج ناجح الا ان تأخذ كفايتها ثم تغادر