مناقشة الرؤية وبحث تفاصيلها ورصد سلبياتها ونقدها ومتابعة مراحل تنفيذها بالشكل الصحيح والمراجعة الدائمة لها والقائمين عليها لمعالجة الانحرافات أمر مطلوب ومحمود ليس من قبل المهتمين والخبراء فقط بل تتجاوزهم إلى المواطن المستفيد النهائي من تلك البرامج والسياسات. في السابع عشر من يونيو 2016م أي بعد فترة وجيزة من إطلاق البرنامج كتبت مقالا هنا في الملحق الاقتصادي لجريدة الرياض بعد إطلاق برنامج التحول الوطني تحدثت فيه بصراحة، عن التحديات والعقبات التي ستواجه البرنامج الطموح للتغيير الإيجابي لأننا نعلم تمام العلم أن أمام كل تغيير ستكون هناك مقاومة وهذا أمر طبيعي ومتوقع وهي سنن كونية، إلا أنه من غير الطبيعي أن يتجاوز البعض نقد البرنامج إلى حد الجزم بفشله حتى قبل مرور ستة أشهر على إطلاقه. الملاحظ في الآونة الأخيرة أن هناك هجمة شرسة ومنظمة تشنها بعض الجهات بطريقة غير مباشرة وعبر وسائل مختلفة بعضها ورقية وأخرى إلكترونية على برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية 2030، وبقدر ما أن جزءا من هذه الهجمة غير مبرر ولها أهدافها الخاصة فإن الرد عليها مبرر بل وأعتقد أنه واجب، ولن أتحدث هنا عن بعض ممن تهكم على البرنامج، فهناك من هم أجدر مني بالرد، ولكن سأحاول الرد الموضوعي على البعض ممن كان مغاليا في السلبية تجاه البرنامج. برنامج التحول هو بالتأكيد خطة حكومية تتعلق بأسلوب الإدارة في مفاصل الدولة والحكومة، وقد أحسن فريق العمل بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة سمو ولي ولي العهد بالفصل بين رؤية 2030 وبرنامج التحول 2020، والمهتمون يعلمون أن ثمة فوارق مهمة بين الرؤية وبرنامج التحول، أولها الوقت، فالرؤية تستهدف 2030 بينما التحول يستهدف 2020، وثانيها وهو المهم الهدف، فهدف الرؤية هو نقلة نوعية كبرى تدفع بالمملكة نحو المستقبل لبناء فلسفة شمولية للدولة فيما هدف التحول هو إحداث تغيير جوهري في طبيعة الأداء الحكومي وتطوير إداري معني بالبيروقراطية الحكومية وتطوير آلياتها ومؤسساتها لتصبح أكثر مرونة وفعالية. نقرأ ونسمع دائما مقولة أن التحديات الكبيرة تخلق فرصا بحجمها، فقط حين تحسن إدارتها، وهو جزء مهم من طبيعة البرنامج نفسه، ومن يقرأ بالتفصيل البرنامج والمبادرات لكل وزارة وجهة حكومية، ومؤشرات الأداء وتفاصيلها، يعلم حجم الطموح وفي نفس الوقت حجم التحديات التي تواجهه. لسنا أول دولة تضع مثل هذه البرامج والرؤى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فمن يقرأ التاريخ يجد الكثير من الدول قد بدأت مثل هذه البرامج بعضها وجد طريقه للنجاح بثقة والآخر تعثر وحوصر وقاوم وصبر ثم قام مرة أخرى وواصل المسيرة إلى أن حقق النجاح، والقليل ممن استسلم من أول كبوة وفشل وسقط، والعاقل الكيس من اتعظ بغيره، وعلى مر الزمن وطول التاريخ وعرضه، كان ثمة من يمانع ويقاوم التطوير، ويرفض أي تغيير، وهي ممانعة تعبر عن نفسها بطرق كثيرة ومتنوعة، فهذه طبيعة البشر والمجتمعات والأمم، وبالتأكيد ستكون هناك ردود فعل غير واعية وهو ما نراه حاليا، وأكثر من ذلك أن يتم استغلالها من بعض الجهات الداخلية وكذلك الخارجية، وقد تعودنا في الآونة الأخيرة أن هناك من يحاول أن يستغل كل توجه صحيح يكون فيه شيء من الحزم في التغيير لتهييج وإثارة الجمهور ضد الوطن والحكومة، وهو أمر غير مستبعد ومتوقع وينبغي أن يوضع في مكانه والاستعداد له، ولنا في تجارب المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في برنامجه الأول للتحول الوطني عظة وعبرة ودروس مستفادة، كما أن قدرته على استيعاب واحتواء المختلفين والمعارضين للإصلاح والتطوير في ذلك الوقت سبب رئيسي لما نعيشه اليوم من تطور ونقلة نوعية يلمسها الجميع. والناس بطبيعتها ترى أن ما توارثته عزيز عليها ويجب اتباعه بل ويعتقدون أنه الأفضل والأسباب في ذلك كثيرة، فمنهم من يسعى لمقاومة كل تطوير للبقاء على المألوف والآخر يعجز عن الفهم إلى حد الحماقة والبعض للأسف الشديد وأكرر البعض وهم قلة قليلة إلا أنهم الأخطر الذين يخشون تحول المصالح وتجفيف المنابع وفقدان النفوذ، وهم من قال عنهم ولي ولي العهد في مقابلته الصريحة والقوية مع قناة العربية عند طرح الرؤية أن مثل هؤلاء عليهم مواجهة الشارع.. !